بمناسبة أعياد الميلاد

TT

يحتفل العالم المسيحي في هذه الليلة (بعيد الميلاد)، والواقع أنه لم يكن معروفا هذا العيد لا في وقته ولا في احتفالاته قبل عام 337، حيث حاول في ذلك التاريخ الكثير من رجال الدين تحديد ميلاد السيد المسيح بدقة، فتباينت نتائج أبحاثهم بين الأول والسادس من يناير (كانون الثاني) وبين الخامس والعشرين من مارس (آذار) والعشرين من مايو (أيار)، ففضلوا التاريخ الأخير لأن القديس (لوقا) ذكر في إنجيله أن الرعاة علموا بولادة المسيح أثناء حراستهم لقطعناهم ليلا التي هي على وشك الولادة، وهذا يعني أنه الشهر الذي تضع فيه الحيوانات صغارها، مع أن القرآن الكريم حدد الولادة تقريبا في الصيف، لأنه ورد قوله تعالى مخاطبا السيدة مريم: «وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا»، ومعروف أن النخل لا يطرح الرطب إلا في الصيف، فقطعا إن تحديده كان مجرد تخمين، لهذا نجد اختلافا بين الطوائف المسيحية في مواعيد الاحتفالات به.

وشجرة الميلاد التي جرت العادة على نصبها في أعياد الميلاد كانت من اختراع أحد الرهبان الألمان عندما سقط عليه فرع شجرة من البلوط فنجا منه، واعتقد أنه قد كتبت له حياة جديدة، وأنه ولد من جديد، فنصب ذلك الفرع في احتفال الميلاد، ومنها أصبح سائدا عندما انتقلت تلك العادة إلى إنجلترا، ولم تعرف أميركا شجرة الميلاد إلا في سنة 1821، وهم الذين أدخلوا فيها الزينة والشموع في ما بعد.

أما ما يسمى (سانتا كلوز)، أو ما يطلق عليه أحيانا (بابا نويل)، وهو الرجل الأشيب المتورد الخدود ومستديرها، فيعود إلى رسام الكاريكاتير (توماس ناست) الذي اشتهر في القرن التاسع عشر ونشره في مجلة (هاربر) الأسبوعية.

وعندما انتشر الاحتفال بعيد ميلاد المسيح كل سنة، انتقلت العدوى لسائر الناس، فأولا بدأ الاحتفال بعيد ميلاد الطفل عندما تحل الذكرى الأولى من ولادته، ومنها تطورت هذه العادة وانتقلت للكبار من كلا الجنسين. وأعرف رجلا بلغ الآن من العمر عتيا، فهوايته الأولى والأخيرة هي الاحتفال بعيد ميلاده في كل سنة، ويدعو الأصدقاء ويزين بيته بالأشجار والأنوار و(البالونات) والشرائط الملونة، ويستقبل معازيمه لابسا طرطورا، وكلما دلفت إلى منزله فأول ما تواجهني روائح العطور وصدح الموسيقى، وما أن يكتمل العدد حتى تدخل علينا (تورتة) كبيرة يحملها شخصان، ومرسوم في وسطها صورته المحاطة بالشموع، ثم يقف هو أمامها بكل شموخ، وكأنه (نابليون الثالث)، ويشير بإصبعه إلى أحد مستخدميه الذي ما أن يشاهد إشارته حتى يطلق العنان للمسجل بأغنية: (Happy Birthday To You)، فيردد معها بصوته الأجش وهو يتمايل بكل انشراح وحبور مثلما يتمايل أي طفل، وما أن تنتهي الأغنية حتى يطفئ الشموع بنفخة واحدة ويصفق لنفسه ويصفق له الجميع مجاملة.

وغالبا ما أقلب أنا الأغنية بعد ذلك رأسا على عقب وأحولها إلى عربي، زاعقا بأعلى عقيرتي الصوتية ومنشدا بكل نفاق: سنة حلوة يا جميل، فيكمل الجميع معي قائلين: انزل يا جميل بالساحة، واتمخطر كده بالراحة.

وما أن يسمع ذلك حتى يستخف به الطرب، وأفاجأ به يحزم وسطه دون أي خجل أو مراعاة لعمره، وهات يا رقص.

على أية حال، أقول للإخوة في الإنسانية المسيحيين (ميري كريسمس)، والمجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة.

[email protected]