صفقة الروس بالأسد!

TT

سوريا والسوريون مستمرون في مخاض الخلاص من نظام مجرم خانق ضاق الجثام على صدورهم. الثورة السورية تبدو أنها تقترب بخطوات واثقة ومطمئنة وحثيثة نحو الخلاص من الأسد وزمرته المجرمة، وسط التذبذب الصادر والرسائل المتفاوتة التي تخرج من قبل المجتمع الدولي، وتحديدا من فرنسا وأميركا وروسيا، عن اتفاق ما بين هذه الأطراف بالخلاص من حقبة الأسد وتأمين خروج له، إلا أن روسيا سرعان ما تعود إلى مواقفها المتصلة في الدفاع عن الأسد بقوة وحسم؛ لتوضح أنها لن تتخلى عن الأسد.

روسيا كان لديها موضع قدم في الشرق الأوسط في مناطق مختلفة من بلاده؛ في مصر واليمن والعراق وليبيا وسوريا، وفعليا لم يتبقَّ لها من الوجود في الشرق الأوسط لها إلا سوريا، وهي تحس بالخديعة التي حصلت لها في القرار الأطلسي بالتدخل في ليبيا، وأن روسيا تم «الضحك عليها»، وهي بالتالي لن تسمح بالتضحية «بسهولة» بوجودها المهم في سوريا دون مقابل مهم. روسيا تدرك تماما أن لها مصالح كبرى ومهمة، وجالية يفوق تعدادها الـ200 ألف نسمة في سوريا، وتبادلا تجاريا قويا؛ ولذلك ومع قناعتها بأن حقبة بشار الأسد شخصيا قد انتهت، ولكن نظامه باقٍ ويجب إخراج شخصية منه لضمان استمرار النفوذ الروسي فيها لأطول حقبة ممكنة من الوقت.

الاتفاق لإخراج بشار الأسد كان يجب أن يمر عن طريق روسيا؛ لأن الروس «عمليون» ويدركون أن لكل شيء تسعيرة وفاتورة، فليس النظام السوري ذا عقيدة سياسية ولا دينية يضحي الروس لأجله، إلا أن المصالح الروسية هي الحكم في ظل تقلص رهيب لنفوذها في منطقة جغرافية من العالم كانت تقليديا هي الحصن الأساسي لسياساتها العسكرية والاستخباراتية.

الجيش الحر والمعارضة السورية السياسية لديها قناعات كاملة أن وقت الصفقات قد انتهى أوانه، وأن الأرض هي الحكم، ويستشهدون بذلك بالحراك المتطور والتقدم اللافت والمميز للجيش الحر في أكثر من موقع بالقرب من معظم المدن الكبرى بلا استثناء، وبشكل مهم، ويعتقدون أن الأمر برمته بات مسألة وقت بسيط جدا وتسقط المدن الكبرى في قبضة الجيش الحر والثوار. والنظام بمعونة الروس يعتقد أن العتاد الثقيل من صواريخ «سكود» وأسلحة كيماوية وغيرها لم يتم استخدامها حتى الآن ورقة أخيرة بيده وبيد من يؤيده، ولكنها مغامرة وخيمة العواقب في ظل وجود تهديد دولي، وكذلك توقع انشقاقات كبرى في الجيش إذا ما تم الإقدام على تلك المسألة الخطيرة.

سوريا دخلت نفقا أخيرا، وهناك مناخ الساعات الأخيرة والحاسمة يلوح في الأفق، جيوب داخل الجيش وداخل الاستخبارات مخترقة بوضوح من الثورة ومن الجيش الحر بتسريب كافة تحركات قوات النظام، وتمكن الثورة من الإجهاز عليها بشكل استباقي فعال ومدهش. الانهيار في الوضع الإنساني يزداد، والنقمة على النظام داخليا باتت بلا حدود. ومع ظهور قوات «جهادية» تقاتل مع الثوار داخل سوريا، إلا أن النظام استعان هو الآخر بقوات من حزب الله بلبنان وجيش المهدي من العراق، وغيرها من الميليشيات الطائفية؛ ليزداد السعير الطائفي في معركة سيئة وبشعة أسالت الدماء وقتلت الآلاف.

بشار الأسد انتهت أوراق اللعب من يده، وبات هو ورقة بالية في أيدي الروس يلعبون به لتنفيذ شروط قياسية لهم في صفقة سوريا الأخيرة، والغاية منها هو تحقيق أرباح ومكاسب في الغاز الآسيوي والصواريخ الأوروبية. سوريا والأسد هما مجرد ملعب لتلك الصفقة. الأسد مصيره حُسم، وسلاح الثوار سيخرجه من الحكم قريبا.

[email protected]