في ميلاد المسيح

TT

اعتدنا في العراق وفي أكثر البلدان العربية على مشاركة إخواننا المسيحيين في أعيادهم، لا سيما هذا اليوم، الخامس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول)، يوم ميلاد السيد المسيح عليه السلام. ولهذا التقليد في العراق جذور تمتد إلى أيام الدولة العباسية. وكان حتى علماء الإسلام يخفون لتهنئة أساقفة الكنيسة في مثل هذه المناسبات ويقدمون لهم الهدايا. غير أننا أخذنا نسمع أصواتا تختلف مع هذه التقاليد الأخوية والإنسانية. وأعتقد أنها تخالف حتى ما ورد في القرآن الكريم في سورة «مريم» التي تصور أبلغ تصوير هذا الحدث المجيد الذي قدر له أن يصوغ تاريخ البشرية في كل مكان وعبر القرون. وفي هذه الساعات التي يضج فيها العالم بترديد التراتيل الكنسية وكلمات الإنجيل احتفالا بهذا اليوم، علينا جميعا أن نتذكر بدورنا بصفتنا مسلمين ما جاء في المصحف الشريف بخصوص هذه المناسبة التاريخية:

«فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا. قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا. قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا. قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا. قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا. فحملته فانتبذت به مكانا قصيا». («مريم» 17 – 22).

ويمضي القرآن الكريم في وصف المخاض والولادة وضجة القوم واعتراضهم، ثم جواب المسيح الطفل عليهم في مشهد بليغ في شاعريته:

«قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا». («مريم» 30 – 33).

بهذه الكلمات البليغة والإيقاع المؤثر يحتفل القرآن الكريم بولادة رسول السلام والمحبة.

وفي المحاضرة القيمة التي ألقاها مؤخرا في مؤسسة الحوار الإنساني بلندن، د. جعفر هادي حسن، الخبير في شؤون الأقليات الدينية، ذكر الكثير عن العلاقات الأخوية بين المسلمين ونصارى العراق، ومشاركتهم في أفراحهم وأعيادهم، وكيف كان الشعراء والأدباء يترددون على أديرتهم حول مدينة الكوفة.. كان منهم الشاعر أبو الطحان الأسدي الذي كان نديما لبني الحداء وقال فيهم:

بنو الصلب والحداء كل سميدع

له في العروق الصالحات عروق

وإني وإن كانوا نصارى أحبهم

ويرتاح قلبي نحوهم ويروق

وفي هذه الأيام التي نسعى فيها لتبني الحوار بين أتباع الديانات كما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، علينا أن ننتهز الفرصة لنقدم تهانينا لإخواننا المسيحيين حيثما كانوا.