في ذكرى الانسحاب الأميركي

TT

عام مضى على الانسحاب الأميركي من العراق بموجب الاتفاقية التي وقعها العراق مع أميركا، هذا الانسحاب الذي شكل نقطة تحول كبيرة في العلاقات العراقية - الأميركية التي كانت خاضعة لمنطق الدولة المحتلة بعد عام 2003 لتتحول فيما بعد لعلاقات شراكة وصداقة شأنها في ذلك شأن علاقات أميركا مع بقية دول العالم.

ولعلنا سمعنا منذ توقيع اتفاقية الانسحاب وحتى موعد التنفيذ النهائي لها في مثل هذه الأيام من العام الماضي من يطرح أسئلة التخوف والشك في القدرة والجاهزية العراقية.

والجاهزية ينظر إليها البعض على أنها تتعلق بتسليح الجيش وكفاءته دون أن تشمل هذه الكلمة مجالات أخرى أخطر بكثير من الملف العسكري الصرف، لم يسأل أحد هل نحن نمتلك الجاهزية الثقافية لأن نتعايش سلميا؟ وهل نمتلك الثقافة الديمقراطية التي تؤهلنا لأن نبتعد عن الصراعات السياسية؟ والأهم من هذا وذاك هل صنعنا مجتمعا متسامحا؟ وهل وثقنا علاقاتنا مع الجوار العراقي؟ تبدو أسئلة كثيرة تدور جميعها في محور ينظر إليه الجميع بحساسية مفرطة دون أن تتم صياغة وجهات نظر ترضي الأطراف كلها.

العراق من حيث المبدأ كان في أتم الجاهزية وبكامل الاستعداد لإدارة نفسه بنفسه، وعندما نقول هذا نستند إلى جملة من المعطيات على أرض الواقع في مقدمتها وجود أكثر من مليون عسكري يديرون الملف الأمني بشكل أفضل مما كان عليه في السنوات الماضية وباتت لديهم القدرة الكاملة والخبرة المتراكمة في التعامل مع الإرهاب وفلوله لدرجة ربما لا نبالغ إن قلنا بأن المجاميع الإرهابية باتت تخشى القوات العراقية أكثر من خشيتها من القوات الأميركية. وهذا لا يعني أن القوات العراقية تتعامل بقسوة معها بقدر ما يمثل تناميا حقيقيا في قدرات هذه القوات وخبرتها في التعامل مع قوى الإرهاب أينما كانت، وهذه حقيقة يجب أن نشيد بها، خاصة أن القوات الأمنية كانت مسؤولة عن ملفات حفظ الأمن في مناسبات عدة كالانتخابات والمناسبات الدينية وغيرها. الشيء الآخر أن البلد الآن ديمقراطي تعددي فيدرالي، يحكم وفق دستور وأنظمة وقوانين تراعي مبادئ كثيرة في مقدمتها حقوق الإنسان، واحترام الرأي والرأي الآخر، وترسيخ قوي لمبدأ الديمقراطية وممارستها في أكثر من مرة وأعطت نتائج ربما تكون جيدة في مرحلتنا هذه ومن شأنها أن ترتقي لما هو أفضل من هذا في المستقبل القريب. الجانب الثالث يتمثل في ولادة مؤسسات الدولة، هذه الدولة التي تبخرت في أبريل (نيسان) 2003 ليبدأ بناء مؤسسات الدولة الجديدة بشكل ربما أصابه بعض التشوه في حلقاته الأولى، إلا أن هذه التشوهات بدأت تزال تدريجيا وأصبح للعراق قضاء مستقل، هيئة نزاهة، مفوضية انتخابات، وغيرها من مقومات بناء الدولة الحديثة.

الأهم من هذا هو ولادة وعي مجتمعي جديد يؤمن بالديمقراطية وينبذ العنف ويبتعد عن كل ما من شأنه أن يقوض المنجزات التي تحققت في العراق، ولكن واحدة من أكبر المعضلات التي واجهت العراق في عام 2012 هي عدم جاهزية الكثير من القوى السياسية العراقية للتعامل مع الموقف بعد الانسحاب الأميركي وهذا ما أثر على المشهد السياسي العام في العراقي حتى يمكننا القول إن عام 2012 كان عام الأزمات في البلد، أزمات يكمن سببها الرئيسي في عدم جاهزية الفكر السياسي العراقي لهذا الانسحاب، لدرجة أن بعض القوى السياسية لم تتردد لحظة واحدة في طلب إعادة القوات الأميركية للبلد في موقفين؛ الأول تمثل في رسالة زعماء القائمة العراقية للرئيس الأميركي، والثاني في أزمة المركز والإقليم وتعالي أصوات مطالبة بعودة الأميركيين.