مؤشرات إيجابية على تزايد فرص السلام في أفغانستان

TT

في هذا الموسم من حسن النية، ثمة مسحة نادرة من التفاؤل بإمكانية التوصل إلى سلام مع حركة طالبان في أفغانستان. ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى أن بعض قادة حركة طالبان قد أدركوا أنهم لن يتمكنوا من تحقيق نصر في الحرب الأهلية التي قد تندلع في البلاد عقب انسحاب القوات الأميركية من هناك.

وللمفارقة الغريبة، يبدو أن حركة طالبان قد أدركت أن نفوذها قد يضعف عقب رحيل معظم القوات الأميركية من أفغانستان بنهاية عام 2014. لقد تغير الوضع منذ التسعينات من القرن الماضي عندما استحوذت حركة طالبان على السلطة عقب الحرب الأهلية، فلم تعد باكستان نصيرا وحليفا يمكن الاعتماد عليه من الناحية السياسية أو حتى الناحية المالية، وقد لا تكون ملاذا للحركة كما كان في الماضي.

وقال مسؤول بارز في وزارة الدفاع الأميركية: «لقد أدركت حركة طالبان أنها لن تحقق نصرا عسكريا. يمكنها الانتظار حتى رحيل القوات الأميركية، ولكن الثمن هو أنها لن تكون قادرة على لعب دور في عملية التحول السياسي».

وجاء أحدث مؤشر على التقارب الأسبوع الماضي في شانتيلي، خارج العاصمة الفرنسية باريس، حيث توسطت الحكومة الفرنسية لعقد اجتماع للقادة السياسيين الأفغان، كان من بينهم ممثلان اثنان لحركة طالبان، وهما شهاب الدين دلاور ونعيم ورداك. وتمت مراقبة هذا الاجتماع الذي نظمته مؤسسة البحوث الاستراتيجية الفرنسية، من قبل مسؤولين أميركيين عن كثب.

وأعقب هذا الحوار محادثات مماثلة في مدينة كيوتو اليابانية في الثامن والعشرين من يونيو (حزيران) بين قاري الدين محمد، وهو عضو مجلس شورى حركة طالبان ووزير التخطيط الأفغاني السابق، وبين محمد معصوم ستانكزي، رئيس مجلس السلام الأعلى الأفغاني. وعقد هذا الاجتماع برعاية جامعة دوشيشا اليابانية في كيوتو، وبتشجيع من الولايات المتحدة مرة أخرى.

ويعد مفاوضو طالبان جزءا مما يراه مسؤولون أميركيون فصيلا «براغماتيا» بقيادة أختر محمد منصور، وهو رئيس مجلس شورى الحركة ونائب رئيسها محمد عمر. وفي مواجهة هذا الفصيل البراغماتي، هناك فصيل آخر متشدد بقيادة عبد القيوم ذاكر، وهو معتقل سابق في معتقل غوانتانامو ورئيس اللجنة العسكرية لحركة طالبان.

وقد تم تعزيز وضع البراغماتيين من خلال التعاون بين باكستان والولايات المتحدة وأفغانستان في الآونة الأخيرة بهدف التخطيط للمستقبل. ونتيجة لعلمهم بانتهاء الدور القتالي للولايات المتحدة، خلص الباكستانيون إلى أن الحرب الأهلية عبر حدودهم (مثل الحرب التي ساعدوا في إشعالها في التسعينات من القرن الماضي) لن تكون في مصلحتهم، ولذا حاولوا الدخول في مفاوضات، ليس فقط مع الحكومة الأفغانية، ولكن أيضا مع تحالف الشمال الذي يقوده الطاجيك والذي يعد الخصم الرئيسي لحركة طالبان والبشتون التابعين لها.

وخلال المحادثات التي جرت في فرنسا الأسبوع الماضي، على حد قول رون مورو وسامي يوسفزاي في موقع «ديلي بيست» الإلكتروني، كان قادة حركة طالبان يحدوهم الأمل في الاتصال بأعضاء بارزين من تحالف الشمال كانوا حاضرين في الاجتماع.

وفي خطوة أخرى باتجاه التصالح، ترغب الولايات المتحدة في استئناف ما يعرف بـ«عملية الدوحة» التي توقفت في مارس (آذار) الماضي. وتهدف هذه العملية إلى تبادل المعتقلين وفتح مكتب لحركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة التي ستكون مقرا لانعقاد مناقشات سياسية أوسع. ومن المأمول أن تؤدي هذه العملية إلى وقف إطلاق النار في أفغانستان في نهاية المطاف، على الرغم مما يقال من أن قادة حركة طالبان يرفضون أي صيغة قد تبدو في نظر تابعيهم على أنها استسلام.

ومن جهتها، تصر الولايات المتحدة على عدة «نتائج ضرورية» في أي سلام يتم التوصل إليه من خلال التفاوض، بما في ذلك تخلي حركة طالبان عن تنظيم القاعدة وقبول الدستور الأفغاني (وتعهدها بحقوق المرأة). وكان عمر قد أدلى بتصريحات قريبة من ذلك مؤخرا، حيث قال في رسالة في الرابع والعشرين من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بمناسبة عيد الأضحى المبارك: «لا نفكر في احتكار السلطة ولا ننوي إشعال حرب أهلية»، كما قال في السادس عشر من أغسطس (آب) بمناسبة عيد الفطر المبارك إن حركة طالبان «لن تسمح لأي شخص بأن يستخدم أرض أفغانستان ضد أي شخص آخر». ومع ذلك، لم تدل الحركة بأي تصريحات علنية بشأن تخليها عن تنظيم القاعدة أو قبول الدستور الأفغاني كما تريد واشنطن.

وكانت هناك إشارة أخرى إلى مزيد من المرونة من جانب حركة طالبان خلال الاجتماعات التي عقدت في شهر يوليو (تموز) الماضي بين ممثلي المعهد الملكي للخدمات المتحدة وأربعة أعضاء بارزين من حركة طالبان. وقال المعهد في ورقة حديثة إن قادة حركة طالبان قالوا خلال هذه المناقشات إنهم «يأسفون بشدة لعلاقتهم الماضية بتنظيم القاعدة»، وإن الحركة ستدخل في مفاوضات من أجل وقف إطلاق النار كجزء من تسوية شاملة. والأكثر من ذلك أن «حركة طالبان مستعدة للقبول بوجود عسكري أميركي طويل الأجل ووجود قواعد عسكرية»؛ لأنها تخشى من عدوان البلدان المجاورة لأفغانستان.

إنه ليس سلاما مؤقتا أو مرحليا، ولكن التحركات الأخيرة باتجاه مفاوضات جادة مع حركة طالبان تشير إلى أن الوضع الأفغاني، الذي يبدو قاتما للكثير من الأميركيين، يعطي بعض الأمل على التقدم في العام الجديد.

* خدمة «واشنطن بوست»