إيران تواصل حربها ضد المدونين

TT

شكا المدون الإيراني الشاب «ستار بهشتي» للمقربين منه تهديدات تلقاها، فحواها أن والدته على وشك ارتداء السواد قريبا طالما لم يغلق فمه الكبير. المحزن أن والدة «بهشتي» قد ارتدت فعلا السواد بعد أيام قليلة من التهديد الذي تلقاه ولدها، فقد اعتقلته عناصر مما يعرف بـ«الشرطة الإلكترونية» جراء انتقادات دأب على توجيهها للسلطة في إيران على مدونته. مات المدون الإيراني الذي لم يكن قد تجاوز مطلع الثلاثينات من عمره جراء التعذيب في السجن بطهران. ووالدة «بهشتي» التي غطاها السواد، شرعت في خوض رحلة طويلة ومريرة مع القانون لإثبات حق ابنها.

ومهمة هذه الأم تكاد تبدو مستحيلة، إذ عليها إثبات تعرض ابنها للسجن والتعذيب، مما أدى إلى وفاته لدى السلطة المسؤولة عن مقتله. والسلطة هذه أوفدت أجهزة أمن داهمت مكان إحياء ذكرى الأربعين لـ«بهشتي» وضربت أفراد العائلة، من بينهم الأم الثكلى.

تحاكي مأساة «بهشتي» مأساة الشاب المصري «خالد سعيد» الذي عذبته وقتلته أجهزة الأمن المصرية والذي اعتبرت حكايته من أبرز شرارات ثورة يناير (كانون الثاني) المصرية، لكن حكاية «خالد سعيد» الإيراني تبدو أكثر صعوبة وخطورة، إذ يعاني ناشطو المجتمع المدني في إيران من حملة قمع شرسة تصاعدت ضدهم منذ الحراك الذي أعقب انتخابات الرئاسة عام 2009. والدراسة الأخيرة التي أعدتها منظمة «هيومان رايتس ووتش» تظهر أن عشرات من دعاة حقوق الإنسان والصحافيين والمدونين والمحامين قد فروا من إيران بعدما استهدفتهم أجهزة الاستخبارات والأمن، وبالتالي فقد ازدادت أعداد طالبي اللجوء الإيرانيين في العامين الماضيين بنسب كبيرة.

هذه القسوة المطلقة التي مارسها النظام الإيراني - ولا يزال - جعلت من مدوني وناشطي وناشطات إيران مجموعات، إما مسجونة وإما في المنفى، بسبب انحسار المساحة التي يفترض أن ينشط فيها المجتمع المدني والتي تتعرض للتضييق، وتسير نحو مزيد من الانكماش مع تصعيد إيران لتقنياتها التي تتيح لها مراقبة وضبط تحركات ونشاطات المدونين والناشطين والصحافيين. ونحن حين نتحدث عن الشريحة الشبابية في إيران، نتحدث عن عماد المجتمع الإيراني، خصوصا حين يتعلق الأمر بوسائل التواصل الحديثة. فإيران من أكثر دول العالم التي تمتلك مدونات نشطة، يتجاوز عددها السبعمائة ألف مدونة، والنسبة الأعلى منها هي للشباب.

هذه الحقائق، وما يترافق معها من وقائع مأساوية من نوع حبس وقتل المدون «بهشتي» التي تتكرر من حين لآخر، مضافا إليها حالات النفي والهرب الكثيرة - تشي بأن فجوة هائلة تفصل بين النظام الحالي في إيران وشبابه، ولنا أن نقدر حجم هذه الهوة إذا لاحظنا أن 70% من سكان إيران تقل أعمارهم عن 30 سنة.

المشكلة أن النظام الإيراني لا يأخذ بالوقائع، فكما يصر على دعم نظام استبدادي مثل النظام السوري رغم كل ما يرتكبه فهو يعامل شعبه على نحو تعسفي مماثل.

diana@ asharqalawsat.com