بيار صادق مكرما!

TT

فن الكاريكاتير يعتبر من أهم عناصر نجاح الصحيفة التقليدية، وكم من رسم كاريكاتيري هز مجتمعات وأثار ردود فعل عنيفة وسط الحكومات لما تضمنه من نقد مباشر وقوي بأبسط الطرق وأضمنها.

وفي العالم العربي كان لهذا الفن فرسانه ونجومه الكبار. فـ«الأهرام» لم يكن من الممكن ذكرها من دون تذكر ريشة صلاح جاهين الساخرة، ولا «الأخبار» من الممكن أن يتم تقييمها من دون تجربة ريشة «مصطفى صيني»، ومجلة «روز اليوسف» العريقة أنجبت العديد من الفطاحل أمثال «حجازي» و«الليثي» و«جمعة» و«بهجت» وغيرهم. ولم تكن هذه الإبداعات حكرا على الصحافة المصرية على الرغم من أنها كانت مسرحا للعديد من المواهب بحكم غزارة الإنتاج المتوافر منها، لكن كانت هناك إبداعات عربية مميزة، فـ«القبس» الكويتية شهدت إبداعات مهمة لريشة الراحل الفلسطيني الفذ «ناجي العلي»، وكذلك كانت هناك إبداعات لافتة في البحرين لـ«محرقي»، وإبداع «حامد» في صحيفة «الاتحاد» بأبوظبي، ولا يمكن نسيان علي فرزات أهم رسام كاريكاتير في سوريا والذي كان لريشته المذهلة دور لافت في نقد نظام بشار الأسد المجرم بشكل مبهر وفعال.

وكذلك الأمر بالنسبة لـ«الخرجي»، أحد رواد رسوم الكاريكاتير في السعودية، حيث كانت له هو الآخر حصة مهمة من الصولات والجولات. أما لبنان، ذلك البلد الصغير بحجمه والكبير بمساحة حرية الفكر والرأي فيه، فكان له هو الآخر نصيب لافت ومهم من النجوم في هذا المجال من أمثال إيلي صليبا وستافرو جبرا وأنطوان غانم ووديع حبيب وأرمان حمصي. لكن نجم الكاريكاتير الأكثر تميزا في لبنان كان بلا جدال العبقري بيار صادق، ومحمود كحيل. الأخير رحل عن دنيانا منذ سنوات ليست بالبعيدة تاركا إرثا هائلا من الأعمال الاستثنائية، والأول تم تكريمه من الحكومة اللبنانية مؤخرا بمنحه وسام الأرز الوطني من رتبة «كوماندر» عن طريق رئيس الجمهورية ميشال سليمان، سلمه له وزير الإعلام وليد الداعوق.

وبيار صادق يستحق بلا شك كل تكريم، فهو كان ولا يزال مادة دسمة في قراءة جريدة «النهار» العريقة. وهو خريج الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة المعروفة باسم «البوزار»، وكان أول من أنشأ الكاريكاتير المتحرك على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، قبل أن يخطفه إلى تلفزيون «المستقبل» رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري الذي دعمه وشجعه وكان يعتز بنقده ورسوماته الساخرة بحقه.

أعرف بيار صادق شخصيا، وعرفت عمله عن قرب إبان فترة رسوماته مع صحيفة «عكاظ» السعودية خلال تولي والدي رحمه الله مسؤولية إدارتها، وكان قرار إحضاره لعمل ذلك مغامرة لأنه كان يتطلب «فكرا» بعيدا عن المحلية، والتعاطي مع الكاريكاتير كأنه مادة عابرة للحدود. وكان أول كاريكاتير ينشر له في الصحافة السعودية عبارة عن كلمة لبنان ويد مجهولة تمتد لخطف حرف النون من آخر الرسم، في إشارة لاحتلال الجنوب اللبناني من قبل العدو الإسرائيلي والمجازر التي كان دوما يرتكبها بحق الأبرياء فيه كالعادة.

تاريخ بيار صادق حافل بالتكريم المميز، فقد حاز قبل ذلك وسام الأرز الوطني من رتبة فارس من الرئيس سليمان فرنجية، ونال مرتين جائزة الشاعر سعيد عقل، إضافة إلى مجموعة من الدروع والأوسمة المختلفة. فنان الكاريكاتير هو العلامة المميزة التي تتغنى بها الصحف والمجلات دوما، وكان بيار صادق في كاريكاتيره في «النهار» ينافس مقال «الأستاذ» غسان تويني، والعمود الأهم لميشال أبو جودة، ومقالات كتاب ثقال بأوزان سمير عطا الله وأنسي الحاج ومي منسي وغيرهم.

بيار صادق بعد مشوار طويل مع الريشة الساخرة ينال تكريما جديدا ليذكر الناس بأن التميز يبقى هو الأساس والأهم.

[email protected]