«طبع الجماعة» الذي نراهن عليه

TT

قبل أسبوعين، كان الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، قد دعا إلى حوار يجمع بين قيادات «الجماعة» من ناحية، وقادة سائر القوى السياسية من ناحية أخرى، لعل الأطراف جميعها تصل إلى اتفاق، أو توافق على الأقل، حول الوضع السياسي المتأزم في البلاد بوجه عام.

يومها، قال الدكتور محمد أبو الغار، الطبيب الشهير، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي، والذي يمثل في الوقت نفسه، أحد قادة «جبهة الإنقاذ» التي تشكلت مؤخرا، إنهم في «الجبهة» مستعدون للاستجابة لدعوة المرشد لأنه صاحب القرار الحقيقي في البلد، وليس الدكتور مرسي، وإن الاستجابة مشروطة بتحقيق أشياء محددة على المستوى السياسي، كان من بينها - مثلا - تأجيل الاستفتاء على الدستور في مرحلته الثانية التي جرت السبت قبل الماضي.

طبعا.. لم يكن من المتوقع أن يستجيب الدكتور بديع، لهذا الشرط الخاص بالاستفتاء، ولا لغيره، ولذلك، فالدعوة جرى إطلاقها في الهواء، كأنها رصاصة طائشة، مصوبة إلى غير هدف، كما أن الحوار الذي كان مزمعا، لم يتم بالتالي!

غير أن الشيء اللافت للنظر، أن كثيرين لم يتوقفوا ليتساءلوا عن الصفة التي بها دعا المرشد إلى حوار من هذا النوع، وعلى هذا المستوى.. إذ الجماعة لا تتوقف طول الوقت، عن القول إنها لا تتدخل في الشأن الرئاسي، بشكل خاص، ولا في الشأن السياسي، بوجه عام، فإذا بها، في لحظة كهذه، تقوم هي بدور، المفترض أن تنهض به مؤسسة الرئاسة ذاتها، أو رئاسة الوزراء، أو حتى حزب «الحرية والعدالة» الذي يوصف، في العادة، بأنه الذراع السياسية لجماعة الإخوان.

لم تأت الدعوة إلى الحوار، من جانب أي جهة من هذه الجهات، وجاءت من عند «الجماعة» التي نفترض فيها، منذ ظهور الحزب إلى الوجود، بعد الثورة، أنها - أي الجماعة - قد أخذت عدة خطوات إلى الوراء، لتترك الأمور السياسية كلها، للحزب الذي يعبر عنها، والذي كان د. مرسي رئيسا له، قبل أن يرشح نفسه في انتخابات الرئاسة.

وإذا كان يقال دوما، إن الأنهار تجري منذ قرون طويلة، لتصب في البحار، وإنه لا الأنهار جفت، ولا البحار امتلأت، فإن علينا، بالقياس، أن نتوقف عن مطالبة «الجماعة» بالتوقف عن التدخل في الرئاسة، وعليها، هي الأخرى، أن تتوقف عن القول إنها لا تتدخل.

وكنت، بعد فوز الرئيس مرسي بمنصب الرئاسة بأيام، قد حضرت لقاء جمع بينه وبين رؤساء تحرير الصحف المصرية، وما أذكره جيدا، أنه عندما سُئل وقتها، عن مستقبل جماعة الإخوان، وعما إذا كان عليها أن تخضع لقانون الجمعيات الأهلية، فإنه قال، إن هذا سيحدث، حين يصدر القانون الجديد المتصل بهذا الشأن، وأظن أنه عندما قال بهذا الكلام، كان متفائلا للغاية، أو راغبا في إنهاء الحوار على سبيل «فض المجالس» وفقط، وأظن أيضا، أن أحدا منا إذا كان قد صدق يومها ما قاله «مرسي» في هذا الاتجاه، فإن هذا الأحد هو المخطئ في حق نفسه، وربما يكون هو أيضا الساذج إذا كان كلام كهذا قد انطلى عليه!

إننا إذا كان علينا أن نتكلم عما هو مفترض، فيمكن أن نقول كلاما كثيرا وجميلا، وأن يملأ هذا الكلام صفحات وصفحات، بشرط أن ندرك ابتداء، ونحن نقوله، أننا نتحدث عما نفترضه، وليس عما هو قائم، وواقع، وراسخ!

إلى هذه النوعية.. نوعية الكلام المفترض الكثير، والجميل، ينتمي حديث الدكتور مرسي، يوم لقائنا معه في مقر الرئاسة عن قرب خضوع «الجماعة» لقانون الجمعيات الأهلية.. لكن.. هناك في المقابل، وضع آخر قائم، كما قلت، وواقع، ومنه، أن قانونا من النوع الذي أشار إليه الرئيس وهو يتحدث معنا، لم يصدر، إلى الآن، ومنه أيضا، أنه لا أحد يذكر حزب «الحرية والعدالة» في هذا السياق أبدا، على الرغم من أنه منذ قام، كان عليه أن يحل محل الجماعة، في الحياة السياسية، وهو ما يتبين عند الضرورة، أنه لم يحدث، وأن الحزب مما يبدو أمامنا يوميا، قد قام في الأساس لاستيفاء الشكل، بين باقي الأحزاب السياسية.. أما الكلمة العليا، والأولى والأخيرة، فقد ظلت لها كجماعة، وليس له كحزب، كما كنا نأمل.

وحين يتأمل الواحد منا، ما ظللنا نقول به، منذ نجاح الرئيس مرسي في الانتخابات، عن أنه يجب أن ينفصل تماما عن الجماعة، يكتشف أننا نحن الذين كنا نقول بذلك، ولا نزال، إنما كنا ولا نزال كذلك، نضحك على أنفسنا، قبل أن نضحك على غيرنا، لأن الجماعة في النهاية، هي التي رشحت «مرسي» وهي التي أنجحته، وهي التي تستطيع أن تسقطه متى تشاء، وبالتالي، فإنها لم تكن تفعل ذلك، معه، لتتركه وشأنه يحكم في منصبه، ثم تعود إلى بيتها، كجماعة لتنام!!.. لا.. لم يحدث هذا، ولن يحدث، إذا أردنا أن نكون واقعيين، ولا يتعين علينا أبدا، أن نصدق كلاما مضحكا من نوعية أن الرئيس استقال من الجماعة، يوم فوزه، وأنه لم يعد على أدنى صلة بها!!.. هذا كلام يقال لأطفال!

ما هو الحل إذن، إذا كان وجود الجماعة، في إطار الصورة، حتى ولو كان وجودا من وراء ستار، قد أدى إلى كل هذه الأزمات السياسية الطاحنة، في أكثر من اتجاه، وفي فترة زمنية لا تكاد تذكر، هي ستة أشهر بالكاد.

لا حل، في تقديري، لدى الذين يعارضون «مرسي» ويعارضون الإخوان، وينبهون الطرفين، إلى خطورة استمرار العلاقة بينهما، على صورتها الحالية.. لا حل، لأنه لا الجماعة سوف تتوقف عما تمارسه، باعتبارها حاكمة، ولا الدكتور مرسي سوف يستطيع أن يبعدها عن قراره، ولذلك، فالحل عندها هي، كجماعة، وليس عن الرئيس، ولا عند المعارضة المصرية!

لماذا؟.. لأنها هي التي عليها أن تفهم، أن التجربة خلال الستة أشهر الماضية، تنطق بأن العملية في حاجة إلى مراجعة شاملة من ناحيتها، حتى لا تكون الأشهر الستة المقبلة، صورة مما مضى، وحتى لا يكون ما هو مقبل، فشلا يضاف إلى فشل!

وسوف يسأل سائل هنا: ماذا عليها أن تفعل بالضبط، إذا كان خروجها من الصورة، مسألة مستحيلة، وضد طبائع الأمور هكذا؟!.. وسوف أقول إن الحل يمكن أن يبدأ، في اللحظة التي تفرق فيها الجماعة، فعلا، وبشكل حقيقي، بين مرحلتين في تاريخها: الأولى منذ نشأت على يد حسن البنا، عام 1928 وإلى لحظة سقوط نظام «مبارك» والثانية منذ وصلت إلى الحكم، على مستوى البرلمان، ثم على مستوى الرئاسة، مع أول هذا العام.

تلك مرحلة.. وهذه مرحلة مختلفة كل الاختلاف عنها، والجماعة التي كانت محظورة، في السابق، لم تعد كذلك الآن، وإذا كانت في مرحلتها الأولى، قد تصرفت، طول الوقت، على أنها جماعة محظورة، فأغلقت الباب والنوافذ على نفسها، فإن سلوكا كهذا، لم يعد مقبولا، ولا ممكنا، لأنها الآن، مع آخرين في الساحة وليست وحدها، ولكن المشكلة أن أبوابها ونوافذها لا تزال مغلقة، إلا على أعضائها، وهذا هو السبب، في تلال الأخطاء التي يقع فيها الحكم، يوما بعد يوم!

إنها مسألة صعبة للغاية عليها بطبيعة الحال، وليست سهلة، كما قد نتصور، لأننا نتحدث عن «طبع» دام 82 عاما، ونطلب، بعد كل هذه العقود من الزمان، أن يتطبع صاحب هذا الطبع، ليتواءم مع طارئ طرأ.

وإذا كان الطبع في الغالب، يغلب التطبع، فسوف تستقيم الأمور في مصر، إذا حدث العكس، لدى «الجماعة».. ومن دون هذا العكس، سوف نظل نمني أنفسنا.. لا أكثر!