تسامح بوتين!

TT

يراقب الروس بحذر شديد التقارير المخابراتية الأميركية التي تصدر بحق بلادهم بين الفترة والأخرى، وذلك لما تحمله من رمزية ومغزى يوضح عناصر السياسات الأميركية بحق بلادهم.

والحديث الآن يدور عن تقرير جديد على موقع وكالة الاستخبارات الأميركية، يحذر من أن الخطر الأكبر الذي يهدد روسيا هو النمو السكاني السريع للمسلمين، الذين يتوقع أن يرتفع عددهم من 14 في المائة (20 مليون نسمة) الآن إلى 20 في المائة عام 2030، وأن يتجاوز عدد سكان روسيا من المسلمين نصف عدد السكان في منتصف القرن الحالي.

والروس لديهم قناعة بأن تحذيرا كهذا على صيغة تقرير موجه بشكل أساسي للغالبية المسيحية الأرثوذكسية من الشعب الروسي حتى يكون التنامي الإسلامي فزاعة رعب لهم ويكون مدعاة لثورة الشعب الروسي ضد الحكومة.

الحكومة الروسية (بحسب ما يتم الترويج له رسميا) مهتمة بدعم وتنمية مناطق القوقاز التي يتشكل معظم سكانها من المسلمين، فهي قررت تخصيص أكثر من ستة مليارات من الدولارات لتنفيذ برامج مهمة للتطوير والتنمية فيها. ويستشهد مؤيدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجود مؤامرة خارجية ضده تحرك معارضيه، ويذكرنا ذلك بالمظاهرات التي خرجت في موسكو وكان بعض المتظاهرين فيها يحملون لافتات عليها عبارات مريبة تقول «لا تطعموا القوقاز»، في إشارة إلى غضب السكان المسيحيين للأقاليم الأخرى، وأنهم أهملوا في ميزانيات التنمية على حساب المسلمين، وأن الطوائف الأخرى الموجودة في روسيا من أمثال المسيحيين الكاثوليك واليهود سبق لها أن سجلت اعتراضاتها وتحفظها على هذه الخطط أكثر من مرة أمام الرئيس الروسي السابق ديميتري ميدفيديف.

والحكومة الروسية تؤكد أن الكنيسة الأرثوذكسية التي ينتمي إليها أكثر من 80 في المائة من سكان روسيا تدعم خطط الحكومة باتجاه الجاليات والمناطق المسلمة، لأن الكنيسة لا ترى أي خطر على روسيا من المسلمين والإسلام، وذلك بحسب الخطاب الرسمي الروسي، لأن «المسلمين والمسيحيين يعيشون في بلد واحد ووطن واحد منذ القرن الثامن الميلادي، وحاربوا جنبا إلى جنب في كل حروب روسيا، واختلطت دماؤهم، وهي جزء أساسي من النسيج الروسي».

ولعل الحكم الروسي يلعب بهذه الورقة بدهاء، ويستغلها أمام الغرب، وظهر ذلك جليا في لقاء صحافي مع بوتين مع إعلامي ألماني عام 2009 حينما سئل: «ألا تخاف من أن يحكم روسيا المسلمون في المستقبل القريب؟»، فأجاب بوتين بثقة: «لا تنس أنك تتحدث عن مواطنين روس وليس عن أقليات مهاجرة، والدستور الروسي لا يحدد شكلا دينيا للدولة ولا يفرق بين مسيحي ومسلم أو يهودي أو ملحد».

بوتين لديه ذعر من الأصوليات المتطرفة، فهو شاهد نتاج ذلك وما أصاب الاتحاد السوفياتي ثم روسيا من أضرار في أفغانستان والشيشان وداغستان بأشكال مختلفة كانت لها تكلفة باهظة الثمن، ولذلك هو حريص على أن يستخدم هذا الكارت ويلوح بالفزاعة الأصولية داخل القضية السورية نفسها، ويروج عالميا لنفسه على أنه سد منيع أمام انتشار الأصوليات، وأنه في الداخل يطبق سياسات وسطية وتسامحية مع الإسلام والمسلمين. ولكنه يتناسى تماما أنه بدعمه المطلق والأعمى لنظام مجرم متوحش مجنون مثل بشار الأسد يكون قد قدم أهم هدية للأصولية والتطرف والإرهاب.

الروس يزرعون نباتا ساما بدعمهم للأسد، وهي فاتورة ستكون الأبهظ ثمنا لا شك، وستثبت ذلك الأيام المقبلة.

[email protected]