تركيا.. السجان الأول للصحافيين

TT

في لائحة الدول العشر الأسوأ من حيث سجن الصحافيين في العالم فإن الدولة التي حلت في المرتبة الأولى هي تركيا. وتركيا في مركزها هذا تقدمت على إيران التي حلت ثانية، والصين التي حلت ثالثة، وسوريا التي حلت خامسة، بحسب اللجنة الدولية لحماية الصحافيين.

لا شك أن تبوؤ تركيا صدارة هذه المرتبة السيئة يعد أمرا مفاجئا بعض الشيء، فنحن في الدول العربية ما زلنا نعيش أسرى للصورة الباهرة للنجاحات التي انطبعت في الأذهان عن تركيا خلال العقد الأخير. فهذا البلد يدغدغ تاريخا مديدا خبره العرب والمسلمون، وهو اليوم بلد متقدم سياحيا وشهد قفزات اقتصادية كبرى وتميز بحضور سياسي إقليمي لافت ومحاولات حثيثة للاقتراب من «جنة» الاتحاد الأوروبي، عدا عن انبهارات شعبية في العالم العربي بنجوميات تركية تبدأ من «مهند» ولا تنتهي بـ«حريم السلطان» الذي ضاق صدر السلطات التركية به وطالبت بوقفه.

الأكيد اليوم أن تلك النجاحات التركية لها جوانبها المعتمة، إذ يقول تقرير لجنة حماية الصحافيين، إن حكومة رجب طيب أردوغان تشن واحدة من «أكبر الحروب على حرية الصحافة في التاريخ الحديث». واللافت أن معظم الصحافيين السجناء في تركيا هم من الأكراد الذين لم تستطع الدولة التركية بعد طي ملف تجاوزاتها وغبنها لهذه الأقلية. وعلى الرغم من تأكيد السلطات التركية أن اعتقالها لصحافيين أكراد لا علاقة لهم بعملهم، بل بقضايا إرهاب، فإن شهادات كثيرة وتقرير لجنة حماية الصحافيين أكدت أن سجنهم هو لقضايا تتعلق بعملهم ورأيهم وليس لأمر آخر.

الخطر في حالة تركيا وعلاقتها بالصحافة وحرية التعبير هو انكشاف تلك النزعة التي تحاول استعمال الرخاء الاقتصادي كذريعة تغفر للسلطات تجاوزات تتعلق بالحريات. فرئيس الحكومة رجب طيب أردوغان لم يتردد في الطلب من رؤساء التحرير الأتراك «تأديب صحافييهم» وهذا حدث فعلا مع صحافية كردية كتبت مقالا نقديا وقد وصفها أردوغان بشكل غير مباشر بأنها «خائنة» فما كان من رئيس التحرير المسؤول عن الصحافية سوى أن أقالها من عملها بعد أن تلقف الرسالة الصريحة في كلام رئيس الوزراء.

وكأن بتركيا تتجه نحو المزيد من القيود، إذ لم يعد خافيا كم يبدي رئيس الحكومة أردوغان ضيقا بالانتقادات. وهنا من غير المستغرب أن تحتل تركيا المركز الحادي عشر في العالم في استخدام موقع «تويتر» الذي بات يشكل إعلاما رديفا يلجأ إليه الأتراك إما لتداول الأخبار التي لا ترد في الإعلام التقليدي وإما في التعليق عليها. أما الفضيحة الأخرى فهي غض الطرف الغربي على تجاوزات تركيا والتي يردها البعض إلى حاجة الغرب لحليف قوي في العالم الإسلامي.

حقا إنه لمن المزري لتركيا أن تسبق دولا مثل إيران والصين وإريتريا وسوريا في مسألة التضييق على الصحافة، وهذا أمر ينبغي على القيادة الحالية ألا تستخف به.

diana@ asharqalawsat.com