المصلحة قبل كل شيء

TT

أثارت مقالتي «غلطة كبرى» عن اللغة في كردستان ما تستحقه وما كنت أتمنى لها من ردود فعل. أحمد البغدادي حذرني من أميركا عما سأتلقاه من سهام نارية. كلا يا سيد أحمد لم يحدث ذلك، بل تلقيت ردودا مفيدة وجديرة. كأحد المشاركين في سن التشريعات الجديدة، أكد لنا من كردستان الدكتور لقمان المفتي بأن اللغة العربية ما زالت في خير هناك، فكل هذه التشريعات وما صحبها من مناقشات ومطالعات جرت بالعربية.

أبادر أولا للتصريح بمصلحتي في الموضوع – كما يتطلب القانون – فمصلحتي بصفتي كاتبا عربيا يهمني أن تسود اللغة العربية لأستطيع أن أبيع كتبي. وأنا نظرت كليا لهذه المسألة من الزاوية المصلحية والعملية. فلا يصح أن ننتظر من الثلاثمائة مليون عربي أن يتعلموا الكردية، كما يتعلم الكرد العربية على نحو ما اقترح نزار محمود. وإذا سألتموني عن رأيي فما أتمناه هو أن يتعلم كل العرب وكل الكرد وكل التركمان اللغة الإنجليزية ليستطيعوا التعامل مع متطلبات العصر. وأبيع لهم كتبي الإنجليزية. بيد أن هذا حلم غير عملي.

مصلحة الكرد في رأيي تقتضي بأن يسبحوا في هذا البحر الواسع: العالم العربي ولغته العربية. الدكتور المفتي وكل من اشتركوا معي في مؤتمر السليمانية وعلى رأسهم ملا بختيار وعادل مراد وشيرين عثمان وممو عثمان تعلموا العربية في السنين الخوالي قبل النظام الحالي. ما أخشاه من ملاحظاتي المحدودة في كردستان هو أن هناك جيلا جديدا ينشأ دون معرفة كافية بالعربية. وهذا ما سعيت للتحذير منه من زاوية مصلحة الشعب الكردي وأرضه ومستقبله، لا أكثر ولا أقل. ولكنني سأشعر بأسى كبير إذا حضرت مؤتمرا في العراق ولم أجد لغة مشتركة أتكلم بها مع الزملاء الكرد في المؤتمر. مما يعطي كردستان حقها في تقرير مصيرها بنفسها ليس اختلافها اللغوي وإنما نضالها الطويل عبر القرون وتقديم ألوف الضحايا من أجل هذا الحق.

بيد أن الموضوع فجر قنبلة في صدر صديقنا بمصر محمد أحمد بقوله إنه يريد أن ينسى العربية وينسى هويته العربية ويسقط جنسيته المصرية ويهاجر لأي مكان بعيدا عن العالم العربي، الذي وقع اليوم بأيدي فئات مستبدة. أعتقد أن لهذه القنبلة علاقة بالنظرة السلبية التي يشعر بها شباب كردستان نحو العربية وأي شيء عربي. فعندما نخطب امرأة لابننا ندقق بمكانة المرأة ومؤهلاتها وأهلها. والعالم العربي الآن لا يسر الناظرين. وإذا كان ابن القاهرة يحلم بالخلاص منه ومن كل ما يرتبط به، فلماذا نطالب ابن حلبجة أن يتمسك بأذيال اللغة العربية؟

تروي فاطمة الزهراء كيف أن أمها خطفتها عند ولادتها من المستشفى خوفا أن تأكلها القطط. وهو شيء حدث في العراق ونقلت الصحف نبأه بعنوان «أبناء الشعب تأكلهم القطط». حدث ذلك بينما انشغلت الممرضات بالدردشة. والله يديم التخلف. فوليد حمام يقول من النرويج إن الأطباء عالجوا بروستاتا أحد أصحابه بالكهرباء فقال: «الكهرباء وصلت دبري ولم تصل بعد مدينته بالعراق». قل معي يا سيدي الله يديم التخلف!