بشاشة العرب!

TT

حاول أحد أشهر المستشارين المختصين بخدمة العملاء في العالم، الأميركي رون كوفمان، مساعدة المسؤولين في مطار سنغافورة الدولي لتحقيق هدفهم وهو أن يصبحوا «أكثر مطار يحظى بخدمة ودودة في العالم» وذلك بأن عكف على دراسة كل إجراءات السفر التي يتبعها المسافرون حتى بوابة صعودهم للطائرة وتلك التي يتبعها القادمون حتى بوابة دخولهم إلى سنغافورة، فلم يجد شيئا يذكر يبرر لماذا لا يحظى المطار بتقييم رضا مرتفع.

وبعد بحث وتمحيص تبين أن «العقدة» أو المشكلة تكمن في موظفي الجوازات الذين لا تنم طريقة تعاملهم عن بشاشة يمكن أن ترفع من رضا المسافرين، فهم على ما يبدو لم تصل إليهم مقولة أشقائنا اللبنانيين «لاقيني ولا تغديني» وهي كناية عن أن حسن اللقاء وطلاقة الوجه تأتي في المقدمة. فحاول تدريبهم ولم يفلح لأنه اكتشف لاحقا أن المعضلة تكمن في ثقافة البيئة التي نشأ فيها هؤلاء.

فطلب كوفمان من الموظفين أن يقولوا للمسافرين كلمتين لحظة وصولهم وهما «Passport Please» أي «الجواز من فضلك»، ثم يطلبون منهم تناول قطع من الحلوى وضعت خصيصا للمسافرين. وفي ذلك محاولة مقصودة لتحويل انتباه الركاب من تجهم الموظفين إلى أمر إيجابي آخر. فتبين لهم أن هذا التصرف، وإن كان خاليا من الابتسامة، إلا أنه أسهم في رفع مستوى راحة المسافرين ورضاهم عن الخدمة ككل. وجاء أيضا بفكرة وضع مرايا صغيرة مخفية على الطاولة لينظر إليها الموظفون وهم يبتسمون قبل أن يرفعوا رؤوسهم باتجاه المسافرين، فساهم ذلك في إشاعة جو من البشاشة في «كاونتر الجوازات» ولدى المحيطين بهم.

تذكرت هذه القصة، التي رواها لي شخص حضر دورة كوفمان في دولة الكويت التي نظمت لكبار المسؤولين في الشركات المحلية والإقليمية، وذلك حينما كنا معا نتحدث في أحد المطارات العربية عن سلوكيات العرب في المطار.

المطار هو بوابة «الانطباع الأول» الذي يتولد لدينا عن الشعوب الأخرى. غير أنك «إذا أردت أن تقيس بشاشة الشعوب فتابع طلاقة وجوههم لحظة دخولهم إلى متاجر التجزئة».

هناك من وهبه الله تعالى ابتسامة أخاذة أو عفوية تخترق قلوب الناس وهناك من يحتاج أن يكتسب ذلك بالمران المتواصل حتى تتحول محاولات التبسم إلى عادة متأصلة فيه. والابتسامة أصل البشاشة، فلا بشاشة من غير ابتسامة. ثم أليس مبدأ «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم» كما في الحديث الشريف، ينطبق على محاولات إشاعة أجواء من الود والحميمة؟

حينما نرى شخصا «هاشا باشا» كما تقول العرب، فإن بشاشته تنتقل إلينا لأن البشاشة معدية وهي مثال عملي يصور لنا كيف يمكن أن يكون الوجه الطلق. ولو كنت مسؤولا رفيعا في العالم العربي لعممت على جميع الدوائر الحكومية والخاصة حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق».

[email protected]