سلام «أهون الشرين»

TT

طرح الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس، الأسبوع الماضي، مفهوم جيل السياسيين الإسرائيليين الواقعيين للتسوية السلمية مع الفلسطينيين عبر تحذيره من «أن فكرة الدولة ثنائية القومية تشكل خطرا دائما على دولة إسرائيل وعلى الصهيونية والديمقراطية» ليستنتج، بالتالي، أن «لا بديل لحل الدولتين» على أرض فلسطين.

كلام الرئيس الإسرائيلي المخضرم يحمل رسالتين، واحدة علنية موجهة للمدرسة الشوفينية التي يمثلها الثنائي نتنياهو - ليبرمان فحواها أن استمرار التهرب من التفاوض مع السلطة الفلسطينية قد يؤدي إلى نتائج كارثية على إسرائيل، والثانية مبطنة وموجهة إلى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، تدعوه - بصفته «الزعيم العربي الوحيد الذي يؤيد بشجاعة فكرة إحلال السلام» – ألا يذهب بعيدا في تهديده بالتخلي عن رئاسة السلطة الفلسطينية. باختصار، حل الدولتين هو، بالنسبة للجيل الواقعي والمعتدل من السياسيين الإسرائيليين، سلام «أهون الشرين»، وهو سلام تبرره هواجسهم الديموغرافية من فقدان إسرائيل هويتها اليهودية في ظل تحولها إلى دولة ثنائية القومية.

واللافت أن تحذير بيريس يأتي في وقت تظهر فيه استطلاعات الرأي الإسرائيلية أن قضية السلام وحل الدولتين مهمشتين إلى حد الإغفال في أدبيات الحملة الانتخابية الراهنة، ما يوحي بأن سياسة وأد التسوية السلمية بالإهمال التي مارسها، على مدى السنوات الأربع الماضية، رئيس الحكومة الليكودي بنيامين نتنياهو، مرشحة للاستمرار أربع سنوات أخرى على الأقل في حال فوز تحالف نتنياهو – ليبرمان بأكثرية نسبية في الكنيست الجديد.

استنادا إلى أحدث إحصاء لسكان إسرائيل نشر عشية رأس السنة العبرية في سبتمبر (أيلول) 2012، بلغ عدد سكان إسرائيل 7.933.200 مواطن من أصلهم 5.978.600 يهودي و1.636.600 فلسطيني (إضافة إلى 318.000 لم يصنفوا في أي من الخانتين) أي أن نسبة السكان اليهود من هذا المجموع بلغت 75.4 في المائة مقابل نسبة 20.6 من السكان العرب.

على خلفية هذه الإحصاءات، قد يصح إدراج المعركة الانتخابية الراهنة في خانة «سباق أولويات» بين واقعين ديموغرافيين على الساحة الإسرائيلية:

الواقع الأول يتمثل في الارتفاع الحاد في نسبة المهاجرين اليهود من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق بحيث أصبحوا أكبر كتلة إثنية ناخبة في إسرائيل (20.9 في المائة من يهود إسرائيل من أصول روسية يضاف إليهم 8.3 في المائة من أصول بولندية و7.6 في المائة من أصول رومانية). والمعروف في إسرائيل أن الناخب الأوروبي الشرقي - والروسي بشكل خاص - أكثر الناخبين يمينية وشوفينية (ربما كرد فعل مستمر على سياسة النظام السوفياتي الذي كبتهم في الداخل وأيد القضايا العربية في الخارج).

الواقع الثاني يتمثل في فارق معدلات النمو السكاني بين العرب واليهود ففيما بلغت نسبة النمو السنوي للسكان اليهود 1.85 في المائة منذ نهاية عام 2011، وصلت نسبة نمو الأقلية العربية إلى 2.4 في المائة (وهو معدل منخفض بالمقارنة مع معدل سنوات التسعينات من القرن الماضي والتي بلغت 3.4 في المائة).

هذا الفارق في معدلات النمو ساعد الأقلية العربية على الاحتفاظ بنسبتها الديموغرافية داخل إسرائيل (20.6 في المائة حاليا بالمقارنة مع 19 في المائة عام 1948) على الرغم من كل موجات «استيراد» اليهود من الخارج. ولكن هذه النسبة، وإن بقيت ثابتة، مرشحة لأن تتحول بعد بضعة عقود إلى هاجس ديموغرافي لإسرائيل حال تضافرها مع عامل مؤثر هو نضوب «مصادر» الهجرة اليهودية الجماعية في الخارج (وآخرها كانت روسيا). وعلى هذا الصعيد يمكن القول، بأنه كلما اتسعت رقعة الديمقراطيات في العالم.. تراجعت دوافع الهجرة اليهودية القسرية إلى إسرائيل.

على المدى القريب، وربما المتوسط أيضا، قد يبقى رهان الأحزاب اليمينية على الناخب الروسي والأوروبي الشرقي مجديا لأمثال بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان وتيارهما الشوفيني.

ولكن احتمالات المدى الطويل تبدو أكثر تبريرا لهواجس رئيس الدولة، شيمعون بيريس، ولكل إسرائيلي يتخوف على «هويته»، خصوصا أن إسرائيل لا تستطيع الخروج عن واقعها الجغرافي كدولة أخرى شرق أوسطية.