الوسام مقابل الولاء!!

TT

الرسام الفرنسي جاك تاردي رفض الحصول على وسام الشرف من الحكومة الفرنسية. قال إنه يقف بعيدا عن الدولة ولا يعنيه الحصول على تكريمات من الحكام.

أتصور أن هذا الأمر سينتهي سريعا ومن دون أن يتعرض الفنان لسؤال لتوضيح الأسباب، ولن يعتبره أحد قد اتخذ موقفا ثوريا ضد النظام الفرنسي، فإذا كان الفنان الأوروبي لم يشعر بأن الجائزة التي تمنحها الدولة مبرأة تماما من الغرض والهوى، وأنها ربما تحمل شيئا من القيد على حريته، فما هو حال جوائزنا العربية.

الحقيقة أن الفنان والمثقف في عالمنا العربي قبل منحه وساما ينبغي أن يخضع أولا لكشف هيئة، وعلى الدولة أن تتأكد من إخلاصه وولائه للحاكم قبل أن توجه إليه الشكر على عطائه الإبداعي. التكريمات هي الجزرة التي تمنحها للفنانين الذين ترضى عنهم وتعتبرهم من أسلحتها الناعمة، وهي علي الجانب الآخر لا تتورع عن استخدام العصا ضد من يخرج عن الصف.

مثلا عندما أرادت الدولة المصرية قبل عشرين عاما توجيه لوم للفنان نور الشريف لأنه قدم فيلما عن حياة فنان الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي الذي كان ينتقد أنور السادات، لعبت مؤسسة صحافية قومية كبرى وهي دار «أخبار اليوم» دور العصا، فوضعت اسمه لعدة سنوات في القائمة السوداء، بحيث تمتنع عن ذكر اسمه في كل مطبوعاتها؛ بل وامتد الأمر إلى بوسي لأنها كانت زوجته في تلك السنوات.

يوسف شاهين كان واحدا من الأصوات المعارضة، فقررت الدولة تحجيم ثورته ووجدوا أن اقتران اسمه بجائزة تحمل اسم مبارك يحقق ذلك الهدف، وكانت قيمتها 400 ألف جنيه مصري، وقرر يوسف على سبيل المراوغة أن يقبلها ويضعها وديعة تُمنح من أرباحها سنويا مكافأة للأوائل في معهد السينما المصري. ورحل يوسف شاهين قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) بعامين ونسي الناس أنه حصل على جائزة تحمل اسم الرئيس المخلوع، وتذكروا فقط أن له جائزة تحمل اسم يوسف شاهين توجه للمتفوقين في معهد السينما.

أما الأديب الذي حقق نجاحا لافتا في مراوغة الدولة فهو صنع الله إبراهيم، الذي وافق عام 2003 على جائزة الرواية، وبعد أن تأكدت الأجهزة من الموافقة وأخذ مسؤولوها يهنئون أنفسهم بأنهم قد ضمنوا دخوله إلى حظيرة المثقفين التي كان يرعاها وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، ما كان من الأديب الكبير سوى أنه باغتهم بضربة على الملأ، وبعد إعلان اسمه قال إنه لا يشرفه أن يحصل على تكريم من نظام فاسد. ووقتها قرروا منع الماء وإطفاء النور عن كل أعماله.

ومن مظاهر سيطرة الدولة طريقة اختيار الأدباء والفنانين لمقابلة الرئيس، ولهذا فإنه قبل ثلاثة أشهر من تنحي مبارك كان قد التقى عددا منهم، وروعي أن يكونوا فقط ممن يؤيدونه. كان عادل إمام هو النجم الوحيد الذي اعتذر، ليس لموقف وطني، فهو كان إحدى دعائم النظام السابق؛ ولكن لأنه بعد أن التقى مبارك على مدى تجاوز ساعتين مع طلعت زكريا قبل إعلان لقائه بالفنانين وجد أنه سيلتقي به بين عدد من النجوم فاعتذر لإحساسه بأنه يستحق لقاء خاصا؛ إلا أنه حرص يومها على التأكد أن السبب هو إصابته بإسهال حاد لتناوله «جبنة بالشطة». وعندما تلقى عادل إمام قبل خمسة أشهر الدعوة للقاء الرئيس محمد مرسي مع وفد الفنانين حرص على الذهاب مبكرا وامتنع بالطبع عن تناول «الجبنة والشطة»، وكانت الرسالة واضحة وهي أنه لا يريد إثارة غضب التيار الإخواني، خاصة أن عادل هو أكثر نجم مصري انتقدهم في العهد السابق، ولا أستبعد لو انحاز إليهم عادل إمام في أعماله وتصريحاته القادمة أن يمنحوه أوسمة!!