الشرح في النص والفحوى في المكان

TT

أقول بكل جدية وصدق ومن دون أي تضمين، إنني توقعت خطاب الرئيس الأسد كما هو. لم أنتظر أي جديد أو أي تغيير أو تعديل، في الشكل أو في الجوهر أو في طريقة الإلقاء. المفاجأة الوحيدة كانت المسرح. والمسرح كان بدوره مفاجأتين: الأولى دار الأوبرا، والثانية أن الدار مفتوحة أبوابها لمجيء هذا النوع من الفنون، رغم حــــالة البلد، أو «أزمتهـــا»، كمـــا وصفهـــا الرئيس السوري.

لماذا لا أفاجأ؟ ليس بسبب نسبة الذكاء وحاسة التوقع، فكلاهما عادي. ولكن لأن لديّ حدسا بأن الرئيس الأسد لا يشاهد سوى تلفزيون «الدنيا»، ولا يقرأ سوى صحف الدولة، ولا يسمع إلا لهواة الأوبرا، الذين تزاحموا في سائر أنواع المقاعد والطبقات، لكي يتمكنوا في ما بعد من التدافع للتبرك بلمس السيد الرئيس.

صحيح أنني لم أتوقع دار الأوبرا، ولكن هذا لا يعني أن السوريين لم يتوقعوا ذلك. فأي مكان أفضل لمخاطبة الأهل عبر الحدود مع تركيا والأردن ولبنان و«دولة القانون» في العراق؟ هل من دار للأوبرا في بغداد، يخاطب منها نوري المالكي العراقيين؟ للخطاب رسالتان: النص، وهو مطول كالعادة، والمكان، وهو خارج المألوف حتى في انتقاءات الرئيس السوري. من أراد أن يخاطب باختيار دار الأوبرا؟ الدول المعادية، لكي تعرف كم هو مطمئن؟ الدول الحليفة، لكي تعرف كم هو قادر على الصمود؟ أم الشعب السوري المشرد من «أمكنته الطبيعية» كما يصف الأسد، المنازل والبيوت والأرض.

تكبد الأسد شرح ما لا ضرورة إطلاقا لشرحه، وهو أن ما جرى حتى اليوم مجرد مطاردة بين النظام والإرهاب. وأن ما جرى ليس ثورة لأن لا قائد لها ولا مفكر. ليس لها سوى 60 ألف قتيل ومائة ألف معتقل وآلاف أطنان الركام، بعيدا عن موقع الأوبرا.

من يشير على الرئيس السوري بالنصوص وبالأمكنة وتسمية الإملاءات بالمبادرة؟ أرجو، بصدق، ألا يكون هو من اختار دار الأوبرا. 95% من السوريين لم يكونوا يعرفون بوجودها. و98% منهم لديهم أولويات أخرى كمستوى الدخل ومستوى المعيشة ومعدل البطالة وموازنة التعليم وخلو الآفاق.

هذا قبل أن تصبح هناك أولوية واحدة، هي البقاء أحياء في البيوت والمنازل وأمام المخابز. لكن الأمر لم يصل إلى الرئيس السوري بعد.