الرقص على إيقاع الكراهية!!

TT

أغنيات لمدحت صالح وعلي الحجار وشعبان عبد الرحيم، بل والراقصات أيضا، قرر بعضهن أن لا يقفن مكتوفات الأيدي والأرجل والسيقان، فبدأن في تغيير النشاط الفني من هز الوسط إلى هز الأحبال الصوتية، هذه هي بعض المظاهر الصاخبة والدائرة الآن بين كل التيارات السياسية؛ فسيطرت على كل مناحي الوطن، أصبحت السماء في مصر تمطر برامج لا تعرف سوى التراشق بين كل الأطياف المتصارعة، بل إن الطيف الواحد صار منقسما على نفسه، الحياة لم يعد «لونها بمبي» كما تقول سعاد حسني، ولكن البرق والرعد والعواصف والأنواء السياسية أحالت البمبي المسخسخ إلى كُحلي غامق.

وعلى الرغم من ذلك فإن كل ما تراه الآن هو مجرد تسخين لما هو مقبل، برنامج تابع لقناة فضائية تناصر «الإخوان» يهاجم برنامجا يقف كحائط صد مدافعا عن جبهة الإنقاذ. كل فريق صار يقف خلف ساتر يحميه من الهجوم المباغت، حيث يرسل زخات من البرامج الأرشيفية على طريقة «إن كنت ناسي أفكرك»، التي أصبحت بسبب ضراوة المعركة إلى «إن كنت ناسي أكفرك»!!

يبدو أن الإعلام يمهد الطريق لعالم موازٍ على أرض الواقع؛ بدأنا نرى مثلا كافتيريا مصممة طبقا لمقاييس السلفيين، حيث إنهم يمنعون الموسيقى والاختلاط ويشترطون أن يسألوا من يصطحب معه فتاة؛ هل هي زوجته أو أخته أو أمه، ما عدا ذلك فإنه ممنوع الدخول، أتصور أن الدائرة التي نراها الآن محدودة سوف تتسع مع الأيام لنرى محلات ترحب فقط بالفتاة المحجبة وأخرى لا ترضى بالدخول للمحجبة، بالمناسبة هناك قناة لا تعمل بها سوى المنتقبات فقط، وتشترط أن من تتصل من النساء بالبرنامج ينبغي أن تخبرهم بأنها منتقبة؛ فلا سماح حتى للمحجبات. لقد شاهدنا قبل ثورة 25 يناير «كوافير» ومصورا فوتوغرافيا للمحجبات فقط؛ ولكن الأمر الآن قابل للانتشار السريع لنرى مظاهر موغلة في تعنتها تؤثر سلبا على نسيج المجتمع الواحد.

الأسابيع المقبلة سوف تشهد أيضا أعمالا فنية تنتجها شركات يتم فيها مراعاة المواصفات الإخوانية والسلفية، التي كنا نشاهد بعض إرهاصاتها فيما كان يعرف في فترة ما بـ«السينما النظيفة»، المقبل أكثر نظافة؛ فلا وجود في عدد من تلك الأعمال الفنية للنساء والموسيقى.

من حق كل الفصائل المختلفة بالطبع أن تعبر عن نفسها سياسيا، ولكن ما نراه الآن هو إفراز ثقافي واجتماعي، بل ونفسي يشوه ملامح مصر المتسامحة.

المصريون بل العرب كانوا دائما ما يقال عنهم إنهم بقدر ما اختلفوا في السياسة اتفقوا على صوت أم كلثوم، فهذا يعني أننا أصحاب مزاج فني واحد؛ فلم يكن هناك فريق مثلا يستمع إلى أغنيات أم كلثوم الدينية ويرفض أغانيها العاطفية، ولكن الكل أحب أم كلثوم «أنت عمري» وأم كلثوم «ولد الهدى». ما نراه الآن هو أبغض ما يمكن أن يعيشه الوطن بتلك القسمة، التي كلما تأخرت محاولات الصلح ورأب الصدع يتسع فيها الخرق على الراتق، لأن الزمن يزيد من مساحة الخلاف، ومن يمسك السلطة في يده هو المنوط به أن ينزع فتيل الأزمة الطاحنة التي بات عليها المجتمع بكل طوائفه.

ستجد فيلما يرى أن الليبراليين يحملون الخراب لمصر، ليرد عليه فيلم آخر يرى أن «الإخوان» ينذرون بدمار مصر. الفريقان يحركهما دافع الرفض للآخر، لن نرى أعمالا تمجد فريقا سياسيا ما، ولكن سيصبح التعريض بمن يقف على الشاطئ المقابل هو الهدف، وكأننا نستعيد ما حدث على أرض المحروسة قبل نحو 6 أشهر، عندما صوت الناس لمرسي كراهية لشفيق أو صوتوا لشفيق كراهية لمرسي، وما نراه الآن في ربوع مصر هو رقص على إيقاع الكراهية!!