إنه التمكين للمرأة السعودية

TT

هل بات الأمر حقيقة؟ هل حقا دخلت المرأة السعودية قاعة مجلس الشورى؟ بعضوية كاملة، لا تحييد فيها ولا استثناء ولا اجتزاء؟

هذا ما جرت عليه ألسنة السعوديات خلال استماعهم للأمر الملكي الذي قضى بتعيين 30 سيدة سعودية في مجلس الشورى.

يا إلهي! كيف للأحلام لذة حينما تتحقق وتصبح أمرا مقضيا. هذه المرة كانت جولة انسيابية مسالمة، انتصر فيها العاهل السعودي للمرأة، معتمدا على ما أنجزته خلال عقود من المثابرة في التحصيل العلمي والحياة العملية الغنية بالمنجزات، ومرتكزا على إحساسه العالي بالثقة بقدرة السعوديات على الطرح الموضوعي والرأي السديد.

كل ما يمس المرأة السعودية، حتى وإن بدا بسيطا، يتحول داخل المجتمع إلى جدل عقيم بفعل تشابك خيوط الاختلافات الثقافية وتحولها إلى كرة ضخمة من العقد يصعب حلها، لتظل قضاياها معلقة بين فرقاء يتحدثون باسمها، ويقررون عنها. لا أذيع سرا إن قلت إن حتى على مستوى المفردات التي تستخدم في طرح أي قضية نسوية تكون كل كلمة عرضة للتمحيص، فمثلا كانت كلمة «تمكين» غير محببة في التنظير للمشاريع الاستراتيجية التي تهتم بمستقبل المرأة السعودية، كانت تستبدل بها كلمة «تعزيز» أو «تحسين»، لأن التمكين، عكس المفردات الأخرى، يشير إلى تغير مستمر لأنه مبني على قوة.

الواقع تغير، وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء. ما حصل ليس اعتياديا، إنه تغيير في تركيبة الجذور الثقافية في المجتمع السعودي، لا يمكن أن نعتبر قرار تعيين خمس مجلس الشورى السعودي من النساء تغييرا إداريا، إنه تحول كامل في تقدير مكانة المرأة، والإيمان بتأثيرها، وسيذكر التاريخ للملك عبد الله بن عبد العزيز أنه أخذ بيد المرأة السعودية وتجاوز بها حواجز ثقافية هائلة، مختصرا الزمن الذي طال عليها وهي في انتظار التمكين، سيذكر التاريخ أن هذا القائد سعى إلى تحقيق مبدأ المواطنة بعدالة بين الرجال والنساء، وأسس لقاعدة جديدة غيرت ملامح مستقبل الدولة.

الواقع أن هذه الخطوة التاريخية مشاها الملك عبد الله بنفسه، لم تأت من الرأي العام أو بفعل دعم شعبي، ولو انتظرت السعوديات دخول الشورى بمجهودهن وبدفع من المجتمع لكان عليهن الانتظار طويلا، ربما مائة عام. السعوديون اليوم يقارنون مجلس الشورى السعودي ببرلمانات دول اسكندنافية من حيث عدد النساء فيها، بالنهاية هذه النتيجة المبتغاة؛ ليس مهما ما آلية دخولها إلى مجلس الشورى، ولا أين ستجلس في قاعته، أو كيف ستطرح رأيها، المهم أنها امتلكت هذا الحق، المهم أنها امتلكت عملة غالية الثمن اسمها «الصوت». كسر حاجز الصوت، بـ«نعم» أو«لا»، قفزة تاريخية لا تختلف كثيرا عن قفزة فيليكس الشهيرة التي كسرت حاجز الصوت الفيزيائي.

من المهم أن نؤمن كلنا بأن تمكين المرأة ليس من قبيل الرفاهية والاستعراض الإعلامي، إنه حجر أساس في تنمية الدولة، لم يعد بالإمكان تجاهله في ظل وجود حاجة ملحة لمشاركة الجنسين في غالبية الحقول والميادين، ومع خلفية ثقافية إسلامية أعطت المرأة حقوقا في العمل السياسي والمشاركة المجتمعية.

ومع أجواء الابتهاج، لا بد أن نتذكر أن عضوية الشورى للنساء لا تعني أننا نطالبهن بتحمل عبء تحسين وضع المرأة أو تبني حل كل قضاياها بين يوم وليلة، أو أن يكون رأيها محصورا بقضايا بنات جنسها، هذه مطالبات ليست واقعية، لأن وجود الرجال في عضوية برلمانات العالم لا تعني أن كل المعضلات قد حلت وأن العراقيل قد اختفت. العضوية النسوية في مجلس الشورى هي حل لأكبر مشكلة واجهت المرأة السعودية وهي التحجيم، وتحييد دورها أو التقليل من تأثيره، لذلك كان الأمر الملكي الكريم منوها عن قصد إلى أن العضوية كاملة، مثلها في ذلك مثل زميلها الرجل. هذه البداية، والنهاية لن تكون بعد أربع سنوات.

أهنئ نفسي أولا، كسعودية، وأهنئ كل السعوديات اللاتي استبشرن خيرا واطمأنت قلوبهن بهذا المنجز التاريخي الذي كان جزءا لا يتجزأ من أحلام النوم واليقظة، وأهنئ السيدات الفاضلات عضوات مجلس الشورى السعودي، على هذه الثقة الملكية العظيمة، التي بدورنا نمنحهم إياها، فكل واحدة منهن تمثل قصة نجاح، والنجاح في حياة المرء مراحل، مثل عربات القطار، تجر الواحدة منها الأخرى.

بشعور غني بالامتنان، نعبر عن تقديرنا للملك عبد الله بن عبد العزيز على حكمة التصرف، وعدالة الرؤية، فمنذ فتحت المملكة مجال التعليم للسعوديات في خمسينات القرن الماضي لم تتحقق لها نقلة نوعية كالتي تحققت بدخولها مجلس الشورى، وسيلمس هذا الرجل، المخلص إخلاصا نقيا لمصلحة وطنه، نتائج هذه الخطوة الشجاعة.

طويت صفحة، وفتحت صفحة جديدة في حياة المرأة السعودية، ومن التسكين على مقاعد الدراسة إلى التمكين على مقاعد الشورى، هناك قصة كفاح تستحق التدوين.

[email protected]