حرية المعرفة أو الموت

TT

قبل سبعة أيام عثر على «آرون سوارتز» منتحرا شنقا في شقته بنيويورك..

شاب نحيل لطيف الملامح ذو لحية ناعمة وابتسامة خجولة وشعر متوسط الطول يضفي عليه ألفة، وغالبا ما يرتدي «تي شيرت» وسروال جينز. إنها الملامح نفسها لناشطي الـ«ديجيتال» ومبدعي عالم الميديا الحديثة. كان «سوارتز» من نخب هؤلاء ومن أشجعهم؛ فهو نبغ منذ كان في الرابعة عشرة من عمره فأسس «بروتوكول RSS» الذي يعتبر نواة للأدوات المستخدمة في نشر المدونات على شبكة الإنترنت. لكن الأهم في سيرته القصيرة هي معركته الشرسة والمبدئية لضمان «حرية الوصول إلى المعلومات» والحؤول دون محاولات فرض أي رقابة حكومية على المحتوى المتاح على الإنترنت. وفي معركته هذه لم يكن التزام «سوارتز» بالكلام فقط؛ فهو ضحى بمصالحه الشخصية، بل أحيانا بحريته من أجل الدفاع عن القيم التي آمن بها.

لم يكن «آرون» قد تجاوز السادسة والعشرين، لكنه قرر إنهاء حياته على نحو حزين وصادم. والمرجح أن سبب انتحاره هو الكآبة التي أصابته لأنه اتهم في قضايا جنائية يصل مجموع أحكامها إلى 50 عاما في السجن وغراماتها تتجاوز الأربعة ملايين دولار.

من لا يعرف ماذا حقق هذا الشاب ومن يقرأ عن تعرضه للمحاكمة، يعتقد ربما أن «آرون سوارتز» قد اقترف ذنبا شائنا. وللحقيقة، فإن «ذنب» آرون أنه حمّل مقالات علمية من أرشيف جرائد أكاديمية بنية نشرها وجعلها متاحة للعامة مجانا وهذا ما جعله عرضة لملاحقة شرسة من قبل جهات أكاديمية ورسمية. فقد عرف هذا الشاب بنشاطه الكبير في مجال حريات الإنترنت، وحملته التي أطلقها تحت عنوان «Demand Progress» لعبت دورا كبيرا في مطالبة مجلس الشيوخ الأميركي بالتراجع عن عدد من التشريعات المثيرة للجدل حول مكافحة القرصنة الإلكترونية.

في بلادنا يقتل النشطاء ويسجنون لأنهم يقولون رأيهم. في الولايات المتحدة كان «آرون سوارتز» ممن يستشعرون أخطار احتكار المعرفة واستغلال التقنيات لبلوغ ذلك.

تنقل المعلومات أن آرون كان مرتعبا من أن تصبح كل المعلومات متاحة فقط على الـ«ديجيتال» وبالتالي تجري مصادرتها وحجبها عن الرأي العام. لنتخيل أنه بعد عشرين عاما من الآن باتت كل الكتب والمجلات متوافرة فقط بنسخ «ديجيتال» وأن النسخ الورقية لم تعد متاحة. ماذا لو لم تعد هناك مكتبات لقراءة كتاب؛ بل علينا أن ندفع بدلا ماليا لقاء القراءة؟ وماذا لو لم نكن نملك المال الكافي للحصول على المعرفة هذه؟ هل هناك طريقة أفضل لحصار المعلومات وضمان عدم انتشارها خير من ذلك؟ ما الوسيلة الأنجع للسيطرة على الجموع وضمان حصولهم على المعلومة التي يسمح بها فقط سوى ضبطها واحتكارها على الـ«ديجيتال»؟

هذه الهواجس هي ما كان يؤرق «آدم سوارتز» ويبدو أنه شعر باكرا بأنه قد يخسر معركة منع احتكار المعرفة، فقرر أن يقتل نفسه.

[email protected]