قومي رؤوس كلهم

TT

في هذه الأيام التي يجري فيها الصراع على المناصب في العراق، أو ما أصبح الظرفاء يطلقون عليه «عركة على الكعكة»، علينا أن ندرك أن المنافسة على المناصب ظاهرة عالمية تجري في سائر البلدان، وهي ظاهرة أيضا صحية ومفيدة طالما جرت في إطار الشرعية. المنافسة من أحسن المحفزات على الإبداع.وما هي بجديدة على العراق، فما أن تألفت أول حكومة وطنية في العهد الملكي حتى بدأ القوم بالتنافس على المراكز. لفت ذلك أنظار الشيخ علي الشرقي في المنافسة على الرآسات فقال فيها ذلك البيت الشهير:

قومي رؤوس كلهم

أرأيت مزرعة البصل؟

وكان الشيخ في الواقع قد وقف موقفا سلبيا من الثورة العراقية بأساسها وبكل من قادتها الذين حملوا السلاح ضد الحكم البريطاني فقال فيها: يا ثورة عقبتها ندامة الثوار.

وعبرت كلماته عن مشاعر كثير من المواطنين، وأنا منهم في الواقع، بأن تلك الثورة كانت غلطة. ولكن الأيام مرت وتقادمت وعرضت الحكومة على الشاعر، أي نعم، نفسه علي الشرقي، منصبا وزاريا وأصبح عضوا في مجلس الأعيان وراح يتقلب من منصب إلى منصب وهو يحشر الصحف والمجلات بمقالاته وقصائده التي تطلعت إلى عصر جديد وأفكار تمردت على القديم وكل الأفكار التقليدية فشق ذلك على صديقه وصاحبه في دنيا الشعر والفقه والأدب، الشيخ محمد علي اليعقوبي فتناول زميله بالسخرية بقصيدة قال فيها:

قالوا سعيت وربما

تسعى لغايات شريفة

لم تأت قط صحيفة

إلا وذكرك في الصحيفة

فأجبتَ ما لي غاية

غير الحصول على الوظيفة

لا تكشفن مغطّأ

فلربما كشّفت جيفة

وكانت كلها أبيات تنم عن روح السخرية والتحدي التي تميز بها هذا الأديب النجفي الظريف. فما إن سمع بأن صاحبه علي الشرقي قد نشر كتابا بعنوان: «طبقات النجف» حتى تصدى له بقلمه الجارح فقال:

يكتب الكتاب عن

أطوار هذي الطبقات

ليتني أعرف ماذا

تبتغيه الطبقات

أيها الكتاب شوهتم

وجوه الطبقات

ارتقى الناس وما

زلتم بأدنى الطبقات

بيد أن صاحبه لم يكن نائما وزميله يقول عنه كل ذلك، فتناول القلم ورد عليه:

يا رامي الشجر العالي باكرته

هلا تعلمت أخلاقا من الشجر

ترميه بالحجر القاسي لترجمه

وإنه دائما يرميك بالثمر

قدست من بشر لولا مجاملة

لقلت في حقه قدست من بقر