سبل تقدم أفغانستان

TT

نيودلهي - تبدو أفغانستان لدى الأميركيين الذين سئموا من قرابة 12 عاما من الحرب هناك، أشبه بدولة لم تشهد تغيرا على الإطلاق، وقصة الصراع القبلي والعرقي نفسها تتكرر في حلقة لا نهائية.

لكن التركيبة السكانية الأفغانية تغيرت بشكل واضح خلال العقد الماضي.. فبدلا من الغرق في نزاعات إقطاعية دائمة، تحولت أفغانستان إلى دولة حديثة. كانت الأدلة الإحصائية للتغيير التي جمعتها من مصادر شملت معلومات من وكالة التنمية الدولية الأميركية، كثيرة للغاية. وحتى مع تنحية النبرة المتفائلة التي عبر عنها تقرير الوكالة الذي جاء تحت عنوان: «إنجازات في أفغانستان»، لا يزال هناك تطور ديموغرافي مهم على الأرض.

فالتحضر والتنمية الاقتصادية التي أعادت تشكيل أفغانستان لا تعني أن البلاد ستحظى بمستقبل سياسي مشرق أو أن طالبان لن تستعيد قدرا من السلطة بعد رحيل الولايات المتحدة في عام 2014، لكن المستقبل لن يعود بسهولة إلى سابق عهده. ولن يعود الفيلم الأفغاني إلى البدء مرة أخرى من حيث انتهى عندما طردت طالبان من السلطة.

يقول مسؤول هندي بارز أثناء حواري معه بشأن مستقبل أفغانستان بعد رحيل القوات الأميركية: «لن تتمكن طالبان من العمل بحرية، فلن يتكرر مشهد التسعينات مرة أخرى. لقد أصبحت أفغانستان مكانا مختلفا». كانت سمة التغيير الأبرز هي التحضر، فنصف سكان أفغانستان الآن يعيشون في المدن والبلدات، فيقطن في كابل وحدها خمسة ملايين نسمة، كما تضاعفت أعداد سكان مدن هيرات وجلال آباد وقندهار ثلاثة أضعاف خلال السنوات العشر الماضية. هذا التحضر يضعف النزعات القبلية والعرقية ويساعد النساء في الحصول على الوظائف والتعليم.

وعلى الرغم من البدائية في بعض المناطق الريفية غير البعيدة عن العالم، فإن أكثر من 20 مليون شخص، أو ما يعادل ثلثي سكان البلاد، يمتلكون هواتف جوالة، ويقدر سعد محسني الذي يدير شركة «موبي غروب»، أضخم شركة إعلامية في أفغانستان، أن 60% من السكان يشاهدون بعض برامج التلفزيون كل أسبوع وأن ما يقرب من 95% من السكان يمتلكون أجهزة الراديو. صحيح أن المليارات التي ضختها أميركا في هذه الدولة أسهمت في توطين الفساد، لكن المال لم يذهب جميعه إلى حسابات مصرفية في دبي، فقد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خمسة أضعافه عام 2002، وبلغ معدل النمو السنوي نحو 9%، وتضاعفت نسبة المنازل المضاءة بالكهرباء من 18% فقط قبل عشر سنوات، ثلاثة أضعاف.

كان التطور في مجال الصحة مذهلا، فحتى بعد 10 سنوات من الحرب، لا يزال الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية متاحا لأكثر من 60% من الأفغان اليوم، في حين بلغ 9% عام 2001. وارتفع متوسط العمر المتوقع من 44 إلى 60 عاما خلال العقد الماضي، وتراجعت وفيات الأمهات بنسبة 80%، كما انخفضت وفيات الأطفال دون سن الخامسة 44%، وتضاعفت أعداد منشآت الرعاية الصحية أربعة أضعاف.

أعادت أفغانستان بناء نظام تعليمي شبه متوقف عن العمل؛ ففي عام 2002 كان عدد طلاب المدارس الابتدائية نحو 900.000 جميعهم من البنين، واليوم هناك نحو 8 ملايين طالب في المراحل الدراسية المختلفة أكثر من ثلثهم من الفتيات. وارتفع عدد طلاب الجامعات من 8.000 عام 2001 إلى 77.000 عام 2011 وتشكل الفتيات نحو 20% من طالبات التعليم العالي. في الوقت الحالي تقف نسبة إجادة القراءة والكتابة عند 35% ويتوقع أن ترتفع إلى 55% خلال 10 سنوات و80% خلال 20 عاما، ما لم تقع كارثة.

تعد المكاسب التي حققتها النساء مؤشرا واضحا على التغيير، لكنها تذكرنا بأن التقدم هش ويمكن لطالبان أن تحوله بسهولة. فإلى جانب العدد الكبير من الطالبات في المدارس، تشغل النساء 27% من مقاعد البرلمان، وثلاثة حقائب وزارية، ومناصب 120 قاضية. وبنهاية العام الحالي ستمثل النساء نسبة 30% من موظفي الحكومة.

أفغانستان دولة ديمقراطية.. هناك الفساد والمحسوبية أيضا، لكنها حتى الآن تعد أكثر الدولة حرية بين جيرانها، مقارنة بباكستان وإيران ودول وسط آسيا، فتحظى بإعلام حر، وتنتج كل شيء بدءا من النسخة الأفغانية من «أميركان آيدول»، إلى كوميديا الموقف وترجمة برامج «شارع سمسم» إلى اللغة الدارية والبشتو.

ينظر كثير من الأميركيين إلى الحرب الأفغانية على أنها هزيمة وإهدار مؤلم للمال والأرواح. أحس كثيرون بهذا الإحساس عند نهاية الحرب الفيتنامية، متجاهلين الازدهار الاقتصادي الذي شهدته تلك الدول بعد عقود عديدة من المعاناة الوحشية. التاريخ غامض بهذا الشكل؛ ففي بعض الأحيان تكون التحولات الأكثر عمقا جذرية غير ظاهرة في ذلك الوقت.

فمن يستطيع ضرب الغيب بشأن مستقبل أفغانستان؟ المؤكد أن الاضطرابات والمعاناة لن تنتهي برحيل القوات الأميركية، وقد لا يزداد الموقف سوءا.. لكن من الخطأ أن نعتقد أن شيئا لم يتغير خلال سنوات الصراع الأميركي هناك أو أن كثيرا من هذه التغيرات لم يكن للأفضل.

* خدمة «واشنطن بوست»