هل تدعم «رئاسة» إقليم كردستان حراك السنة؟

TT

يرد سيل من المعلومات عن دعم موعود من رئاسة إقليم كردستان للحراك الشعبي في مدن العراق ذات الأغلبية العربية السنية، تجاه سياسة الحكومة المركزية، استنادا إلى وعود غير معلنة نسبت إلى رئيس الإقليم مسعود بارزاني، سواء سيجري نفيها أم لا. فرفع علم كردستان في مظاهرات الأنبار، ووصول مبعوثين كرد إلى سامراء، والتعبئة لصلاة موحدة في الموصل - تعد علامات بسيطة مقارنة بما قيل عن تعهدات رئاسة الإقليم بدفع قوات البيشمركة إلى حافات بغداد الشمالية، في حالة حدوث صراع بين العرب السنة وشيعة السلطة. وقيل إن معدات القتال التي استولى عليها الكرد بعد سقوط النظام جاهزة لتستخدم لهذا الغرض.

ويبدو الدعم الموعود غير مسبوق، غير أن التعهدات والوعود شيء والقدرة على التنفيذ شيء آخر، خصوصا مع الاختلاف الكبير في الأهداف القريبة والبعيدة، بين كرد سلطة الإقليم والمطالب الشعبية العادلة. فالغاية العربية السنية تتلخص برفع الغبن وتحقيق مبدأ المساواة في استحقاقات المواطنة، مع الحرص على وحدة العراق وحالة التعايش الوطني، التي لم تزعزعها ممارسات الكتل السياسية والسلطات السابقة والحالية. أما غاية رئاسة الإقليم المعلنة على الدوام، فهي توفير عناصر الاستقلال، وإقامة دولة كردستان ضمن حدود تتعدى نطاق الإقليم الحالي.

القتال الذي دار بين الجيش العراقي والحركات الكردية المسلحة سابقا، كان صراعا شاملا بين الدولة العراقية بكل مؤسساتها ومراحل تكوينها الحديث، والحركات الكردية، ولم يكن قتالا بين حكومات وثوار، وليس قتالا قوميا، لأن مئات الآلاف من الكرد قاتلوا إلى جانب القوات العراقية في كل المراحل. لذلك، يبدو استعداد «رئاسة الإقليم» لدعم العرب السنة غريبا، ويدفع إلى تحليل النيات وتفصيلات الخطط وقواعد التفكير التي تدفع إلى هذا الخيار، الذي لا يزال الحديث عنه مسيطرا عليه من قبل رئاسة الإقليم. إلا أن حركة المعلومات لا يمكن السيطرة عليها أو التحكم فيها.

على مدى عقود متواصلة، حرصت أطراف محددة على تحالف «كردي - شيعي» أجهزت عليه سياسة رئيس الوزراء نوري المالكي، وكان الإسناد العسكري الإيراني للحركة الكردية المسلحة بزعامة الراحل الملا مصطفى بارزاني كبيرا للغاية، قبل اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام ربيع 1975، الذي أدى إلى انهيار حركة الملا مصطفى، ثم تجددت العلاقة بعد سقوط الشاه، وقاتلت فصائل حزب رئيس الإقليم إلى جانب القوات الإيرانية. ولا تساعد هذه الخلفية على وصف وعود رئاسة الإقليم للعرب السنة بأنها صحوة دينية مذهبية.

يحرص رئيس الإقليم على رؤية تشكيل دولة كردستان في حياته، وهو حق مشروع للكرد ضمن المعطيات التي لا تشكل تجاوزا على حقوق الآخرين. ويستحيل تحقق هذا الحلم ضمن الفترة المنظورة، من دون اضطراب أمني كبير يتسبب في صراع دموي بين عرب العراق. وإذا ما تحقق هذا الاضطراب، فسيختل التزام الحكومة المركزية بعراقية المناطق المختلطة لصالح رئاسة الإقليم، وستتاح للكرد فرصة إعلان الاستقلال على هامش فوضى تنهي فرص التعايش الوطني وتفقد مبررات الاعتراض الإقليمي على الاستقلال الكردي.

ولم يخف أكثر من طرف سياسي من محافظة صلاح الدين وجود عروض لربط هذه المحافظة بإقليم كردستان، مما يطرح تساؤلات عما إذا كان مهر الخطوة تأييد رئاسة الإقليم في ضم محافظة كركوك النفطية - الحلم الكردي الذي قوض كل الاتفاقات بين الحكومات العراقية والحركات الكردية المسلحة؟ وهل من ضمان بعدم تخلي رئاسة الإقليم عن العرب السنة فور تحقق حلمها الاستراتيجي؟ وهل يضحى بالصلات التاريخية هكذا؟

الواقع الذي على حكومة المركز إدراكه، هو أن التظاهر حق مشروع، وغالبية المطالب قابلة للتحقق الفوري، والقسم الآخر قابل للمناقشة في البرلمان. ونزول الحكومة من الدرجة التي تقف عليها في سلم هاجس الأمن والسلطة ليس هزيمة، بل موقف حتمي يسجل لها لا عليها. ولا بد من جعل مظاهر الاحتجاج انطلاقة كبرى لمصالحة وطنية شاملة تعزز وحدة عرب العراق، التي من دونها لن تشهد المنطقة استقرارا. والنظام الإيراني ليس باقيا، فصيف الاحتجاجات قادم، وليس للعراق غير محيطه المتجانس، وهو الطريق لفتح الأبواب العربية أمامه، وما قد تقدمه رئاسة الإقليم يستحق شكر مناطق الحراك لكردستان التي أحببناها فعلا، إذا تبنت خطا للإصلاح والوحدة، ودعم محاولات الانفراج والتفاهم والمساواة، وليس لحسابات أخرى.