وحدها «المسألة الشرقية» أبدية

TT

عندما تحدث كولن باول عن «الشرق الأوسط الجديد»، ماذا كان يعني؟ باكستان؟ تركيا؟ إيران؟ لا. الأرجح أنه كان يعني العالم العربي، حتى الواقع منه في شمال أفريقيا، بعيدا عن الشرق. هذا تعبير طالما استخدمه الغربيون بمعنى «المحجر الصحي» بين دول العالم. وما استطاع أحد وضع تحديد جغرافي للشرق الأوسط القديم بحيث نلاحظ الفرق بينه وبين الجديد. عندما أطلق باول تصريحه لم يكن يتحدث عن التغييرات في بناء الاحتلال الإسرائيلي أيضا. لكنه بالتأكيد كان يقصد العراق وسوريا ومصر وليبيا.

المقصود بالشرق الأوسط في الثقافة السياسية هو منطقة الاضطرابات والمتغيرات الدولية. منطقة الهجرات البشرية الحزينة التي لا نهاية لها، من عصر إلى عصر ومن زمن إلى زمن.

عنوانان دراميان التصقا بالمنطقة: «الشرق الأوسط» و«المسألة الشرقية». وكلاهما يتضمن صفة المشاكل التي لا حل لها. استخدمت «المسألة الشرقية» أول الأمر للدول الواقعة في أوروبا الشرقية، ولما وصلت إلينا استوطنت وازدهرت وتفرعت عنها المتفرعات. وأضاف كارل ماركس إلى المسألة الشرقية الصفة «أبدية»، ساخرا من تعقيدات الفسيفساء العرقية والإثنية والدينية، في هذا الفضاء البشري الملاصق لأوروبا وروسيا، الواقع ما بين آسيا وأفريقيا.

بداية القرن التاسع عشر كانت «المسألة الشرقية» تعني مقدونيا وبولندا وبلادا بعيدة مثل القوقاز. لكن مع تهاوي الإمبراطورية العثمانية انتقل الوصف إلى أرجائها، ونسي العالم كل مسألة شرقية أخرى. وأعاد بعض المؤرخين «المسألة الشرقية» إلى أيام روما وامتداداتها عبر الشرق، أي أن كل عصر له مفهومه للشرق الأوسط ورؤيته للمسألة الشرقية. ويقول مؤرخ فرنسي إنه «أصبحت هناك مسألة شرقية منذ دخول الأتراك إلى أوروبا»؛ أي منذ بدء الصراع الديني في قارة كانت غارقة بلا نهاية في الحروب المذهبية.

يرد العقل العربي المأخوذ بهوس المؤامرة كل ما يحدث الآن إلى كلام الأميركيين عن «الشرق الأوسط الجديد»، ويرونهم خلف كل ما يحدث في الكاظمية وسامراء والمعادي وجسر الشغور. ولن يمانع الأميركيون في إعطائهم صورة «السوبرمان» التي طالما بذلوا من أجل بنائها. لكنني أعتقد أن الجنرال باول كان يعرف يومها عن الشرق الأوسط «الجديد» بقدر ما يعرف اليوم.