الله يعين العاشق والمعشوق

TT

اتصل بي بعض الأشخاص المحبين جزاهم الله خيرا محتجّين على أساس، حسب قولهم: كيف يكون مقالك في صفحة داخلية وليس في الأخيرة مثلما تعودنا؟!

وكان ردي عليهم التالي: من بغى حبتي ما غوى فمي - وترجمتها: إذا أراد أحد أن يقبلني فلن يصعب عليه تحديد مكان فمي.

طبعا هذا المثل ينطبق وقد تقوله امرأة، ولكنني أوردته كما هو، رغم أنني، وكل من يعرفني، أكره ما أكره تقبيل الرجال للرجال، والعياذ بالله، فليس هناك أروع من مصافحة الرجل للرجل بشكل طبيعي.

وبالمناسبة، وبما أن الحديث مثلما يقولون يجر بعضه بعضا، فبالأمس القريب ذهبت إلى تعزية رجل فقد ابنه الشاب الصغير، وإذا بي أقع بين براثن رجل فحل من ضمن المعزين، ذلك الرجل ما إن شاهدني حتى انقض عليّ وكأنه وحش مفترس.

لا بد أن أشعركم أن ذلك الشخص كان محبا لي، وجزاه الله ألف خير، ولكنه أولا شد على يدي بقبضته الحديدية حتى كادت عظام يدي تتكسر، وكلما حاولت أن أسحب يدي منه زاد الضغط عليها أكثر وأكثر، ولولا تصبري وخجلي لصرخت قائلا: آي، آي، أرجوك اعتقني، ولكنني ولله الحمد تجمّلت، المشكلة العويصة ليست هي فقط بألم يدي، ولكنها في إصراره على أن يقبّل رأسي، وبحكم أنني إنسان متواضع مثلما يعرفني الكثير ممن عاشروني، رفضت ذلك بكل إباء وشمم، والله يلعنه من إباء وشمم.

المهم، غير أن الطامة الكبرى أن ذلك الرجل الفحل صاحب القبضة الحديدية، كان من سوء حظي أنه يفوقني طولا وعرضا، وكلما رفعت رأسي عاليا لكي لا يقبلها، كان هو الأعلى، وبعد الكثير من (المعافرة)، وإذا به يخطئ رأسي أو خشمي لا أذكر، المهم أنه بدلا من أن يطبع قبلته في المكان المناسب، وإذا به يطبعها على الزجاجة اليمنى من نظارتي، ويا ليتني خفضت له رأسي ليقبلها لكنت على الأقل خرجت بسلام.

وإذا عرفتم السبب، فتلك القبلة غير المباركة جعلت زجاجة نظارتي اليمنى عدما، بمعنى أنني لم أعد أشاهد بها أحدا (البتة)، هل تعرفون ما هي البتة؟! نعم ومن دون مبالغة أصبحت (أعور)، فذلك الفحل لا أدري هل لعابه هو (صمغ) يختلف عن لعاب العالمين، أقسم لكم بالله إنني ظللت طوال ساعة العزاء ذاك، وأنا أنظر للناس فقط بعيني اليسرى، إلى درجة أنني ضقت ذرعا مما أنا فيه، وأخذت أترحم على عيني اليمنى أكثر مما أترحم على المتوفى، وتركت المعزّين جميعا، وذهبت راكضا إلى الحمام لكي أغسل الزجاجة اليمنى من نظارتي، هل تصدقون أنني شطفتها بالصابون (الديتول) ثلاث مرات، وبالكاد خرج لعاب أو صمغ ذلك الرجل منها؟! يا ساتر (!!).

مشكلتي أن (الزهايمر) بدأ يفعل مفعوله معي، والدلالة على ذلك أنني نسيت الموضوع الذي بدأت به، والآن تذكرت وهو موقع مكاني في الجريدة.

ولا أملك إلا أن أقول لكم يا بعد كل غالي: لا يهمني المكان، ومن بغى حبتي ما غوى فمي.

والله يعين العاشق والمعشوق.

[email protected]