حمل وديع أم ذئب شرس؟!

TT

عامان مرا على ثورات الربيع العربي يواكبهما عامان من الشك والملاحقات الأمنية للعديد من الفضائيات العربية التي لعبت ولا شك دورا في التمهيد والمؤازرة التي يراها البعض الآن تلفيقا ومؤامرة. قبل ثورات الربيع كانت القنوات الفضائية أمامها خيار واحد هو أن تظل حبال الود ممدودة بينها وبين السلطة، بالتأكيد أغلب رجال الأعمال الذين سمح لهم النظام المصري السابق بفضائية خاصة ارتبطوا بمصالح مع دائرة الحكم وكان الهدف هو منحهم مساحة بعيدا عن الإعلام الرسمي المقيد على أن تظل مشروطة بأن تصب في صالح بقاء السلطة، كانوا فقط يريدون منح الشعب فرصة لتنفيس الغضب بعيدا عن رأس النظام وأتقنت أغلب الفضائيات الخاصة شروط اللعبة. أما مكاتب الفضائيات العربية التي تبث إرسالها من القاهرة فكثيرا ما تعرضت للإغلاق في حال ما تجاوزت المسموح به.

مع بدايات الثورة رأينا هامشا يتسع من الحرية لم تستطع الأنظمة التي كانت تدافع عن بقائها أن تتصدى له حتى الفضائيات الخاصة والتي كانت قبل 25 يناير تتلقى تعليمات مباشرة من وزير الإعلام، أمسكت العصا من المنتصف، عين على الثورة التي كانت تتأجج، وعين على السلطة التي كانت تتهاوى.

وبقيت خارج السرب القنوات العربية، وفي عز الثورة وضعت النظم أمامها هدفا أساسيا، وهو إسقاط العديد منها مثل قناة «الجزيرة»، لقد صدر عن الإعلام الرسمي المصري في بداية الثورة أن ما يجري مجرد محاولة من قناة «الجزيرة» القطرية لزعزعة الاستقرار في مصر.

وضعت الدولة يدها بقسوة لكي تخنق القناة، ألغت ترددها على القمر الصناعي وفوجئ المسؤولون بأن المعتصمين في التحرير يضعون شاشات كبيرة في الميدان ويضبطون التردد الجديد للقناة، وصارت كل القنوات العربية مثل «العربية» و«الحرة» والـ«إم بي سي» وغيرها تتعرض للكثير من المضايقات وصلت إلى إرسال البلطجية لاقتحام مكاتبها وتهديد مذيعيها.

بعد نجاح الثورة المصرية تفجرت «الليبية» ورأينا معمر القذافي يوجه للفضائيات أفظع الألفاظ، وبالطبع فإن ليبيا تبدو بعيدة تماما عن هذا الزخم الفضائي فلا توجد حرية تسمح لأي قناة بالتصوير سوى للتلفزيون الرسمي، ورغم ذلك فإن «الموبايل» صار هو السلاح الذي لم يستطع الطغاة السيطرة عليه وانطلقت تلك الصور إلى «النت» ومنها إلى الفضائيات وتكرر الأمر، ولا يزال في سوريا فلم يعد هناك ما يمكن أن نعتبره مستحيلا.

بعد إزاحة مبارك وجدنا قنوات عديدة صنفت باعتبارها من الفلول، لأنها تنتقد وتسخر من الرئيس، ورأينا في المقابل قنوات أخرى إخوانية وسلفية ترفع شعار «بالروح بالدم نفديك يا مرسي». وأصبح السؤال: هل هذه الفضائيات حمل وديع أم أنها ذئب شرس؟

القنوات الفضائية كانت هي المتهم الأول في إحداث البلبلة في الشارع أثناء الثورة ولا تزال والثورة تحتفل بعيدها الثاني هي المتهمة بإثارة الفتن وترويج الشائعات.

يجب أن تعترف كل الأنظمة بأن الدنيا قبل الفضائيات لم تعد هي الدنيا بعدها، ورغم ذلك فإن الثورات لم تشعلها تلك القنوات ولكن حركها الظلم الذي عانته الشعوب، كانت الفضائيات شاهد عيان لكي يرى الناس الحقيقة ويشعروا أنه من الممكن للشعوب أن تدافع عن كرامتها وتنتزع حريتها.. شاهد المصريون بن علي يقول للشعب التونسي «الآن فهمتكم»، فقرروا أن يتمسكوا برحيل حسني مبارك ورددوا الشعار التونسي: «الشعب يريد إسقاط الرئيس»، الذي أصبح في ليبيا: «الشعب يريد إسقاط العقيد».

نجحت الثورات لأن الشعوب أرادت الحياة، بينما الفضائيات التي كانت متهمة من السلطات التي أطيح بها بإشعال الثورة صارت الآن المتهم «رقم واحد» من قبل السلطات المنتخبة بإجهاض الثورة!