الأردن.. بين الأزمة الاقتصادية والحلول الخليجية

TT

يتعرض الأردن لضغوط سياسية، وأمنية، جراء تداعيات الربيع العربي. ويواجه مشكلة أشد وأخطر وهي الأزمة الاقتصادية التي تعتبر الأكثر تأثيرا من حيث التداعيات على مستقبل هذه الدولة واستقرارها، ومن ثم تأثير ذلك على المنطقة بصفة عامة، ودول الخليج العربية بصفة خاصة.

من حيث تداعيات الربيع العربي السياسية وتأثيرها على الأردن أعتقد أنها محدودة التأثير لعدة أسباب، منها تمسك الأردنيين بالنظام الملكي، فأكثرية الشعب الأردني تعتبره ضمانة لاستقرار الأردن وبقائه، خصوصا أنه دولة صغيرة المساحة وقليلة السكان وتتميز بتباين الثقافات وتنوع السكان. وهناك أسباب أخرى منها توافق العشائر إلى حد كبير على تأييد النظام الملكي، ودور المؤسسة العسكرية الأمنية في حفظ النظام والاستقرار، إضافة إلى تجربة الأردنيين أنفسهم بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق وما ترتب على ذلك من تداعيات أمنية واقتصادية، وأيضا ما تمخضت عنه الأحداث الجارية في سوريا وما أفرزته من سلبيات منها التهجير القسري لستمائة ألف سوري إلى دول الجوار، استقبل الأردن منهم 250 ألف مهاجر طبقا لتقارير الأمم المتحدة، وكذلك ما يرونه من قتل وتدمير للبنية الأساسية في هذه الدولة المجاورة. كما أن الوضع في الدول العربية الأخرى التي اندلعت فيها ثورات الربيع العربي، وما خلفته هذه الثورات من ضعف اقتصادي وانفلات أمني، قلل من الإغراءات التي بشرت بها هذه الثورات قبل أكثر من عامين. ورغم ذلك شهد الأردن مظاهرات خلال الفترة الماضية كان من أسبابها ضعف الاقتصاد، وارتفاع الأسعار، والفساد، ولم تكن بهدف تغيير أو إزاحة النظام بالدرجة الأولى.

تظل المعضلة الاقتصادية هي أخطر ما يواجه الأردن من تحديات، ولا تستطيع الحكومة الأردنية تجاوزها من دون مساعدة خارجية، وعلى وجه الخصوص من دول الخليج، على أن تكون هذه المساعدات ضمن قرار جماعي للدول الست تحت مظلة الأمانة العامة للمجلس، وفي إطار خطة محددة زمنيا، فدعم الأردن ضرورة باعتباره دولة جارة لدول الخليج وجزءا من المنظومة الأمنية الخليجية، لأسباب كثيرة، منها القرب الجغرافي، مما يجعل هذه الدول تتأثر بشكل مباشر بما يطرأ على الأردن، وكذلك نظرا لموقع المملكة الأردنية الحساس المواجه لإسرائيل، فهي ملاصقة لها بحدود طولها 600 كيلومتر، وما يتردد حول الخطط الإسرائيلية بشأن الترانسفير أو التهجير القسري للفلسطينيين إلى الأردن، ومخطط الوطن البديل الذي تخطط له إسرائيل منذ عام 1948 بشكل عام، ومنذ عام 1967 بشكل خاص. كما أن الأردن مجاور لدول العربية تشهد صراعا دمويا مثل سوريا، أو تشهد صراعا طائفيا مثل العراق، إضافة إلى الفسيفساء الذي يتكون منه المجتمع الأردني. كما أن هناك شبه إجماع على اعتدال النظام الأردني، وقدرته على تحقيق التوازنات الداخلية، والتعامل مع المتغيرات الإقليمية والمصالح الدولية بحكمة، مما جعل هذه الدولة الصغيرة من حيث المساحة والسكان، وضعيفة الموارد، لاعبا إقليميا مهما في أشد الظروف صعوبة، ناهيك عن دقة المرحلة الحالية التي يعاني خلالها النظام العربي حالة من التشتت والضعف، وتعرضه لمؤامرات ومطامع من قوى إقليمية ودولية، مما يجعله غير قادر على فتح جبهات جديدة للصراع، أو التعامل مع بؤر خطيرة في منطقة ملتهبة أو التصدي لتبعاتها.

الأردن لا يعاني كثيرا من مشاكل سياسية أو طائفية أو عرقية مثل سوريا أو العراق، فهو يكفل إلى حد كبير حقوق التعبير عن الرأي، ومساحة كبيرة لحرية الإعلام، وتشكيل الأحزاب، ومرونة مستمرة في تغيير الحكومات أو إقالتها خلال فترات متقاربة، ولديه برلمان يضم كل أطياف الأحزاب والجماعات السياسية من دون استبعاد أي حزب، كما يشهد هذا البرلمان حضورا دائما لتيارات الإسلام السياسي وفي مقدمتها «الإخوان المسلمون»، وهذه ظاهرة قديمة متأصلة في نهج المملكة الأردنية. في المقابل فإن الواقع ولغة الأرقام يؤكدان أن الأردن في حاجة ملحة إلى خطة مساعدات لتأهيل الاقتصاد الأردني شحيح الموارد ضعيف الإمكانيات، فقد بلغ إجمالي الدين المستحق على الأردن حتى نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 20 مليار دولار، بينها 6.8 مليار دولار دينا خارجيا، وهو ما يشكل نسبة 21.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يشكل صافي المديونية العامة على الأردن نحو 73 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما بلغت نسبة العجز في الموازنة العامة ما يقرب من 1.175 مليار دولار، ونسبة التضخم نحو 4.3 في المائة، ومعدل البطالة نحو 13.1 في المائة.

المعاناة الأكبر للأردن تأتي من ندرة موارد الطاقة، فهو يحتاج إلى ما يقارب 100 ألف برميل نفط يوميا، يحصل منها على ما بين 10 و15 ألف برميل من العراق بأسعار تفضيلية. وزادت من معاناة الأردن التطورات السياسية التي حدثت في مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وما صاحب ذلك من تعديل أسعار بيع الغاز المصري للأردن، حيث كان يستورد من القاهرة 6.8 مليون متر مكعب من الغاز يوميا بسعر لا يتعدى 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، بقيمة إجمالية كانت تصل إلى 3.5 مليون دولار يوميا، في حين كانت قيمة الأسعار الحقيقية تبلغ 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية في ذلك الوقت.

لذلك أقترح أن تقدم دول الخليج حزمة مساعدات اقتصادية للأردن تتمثل في وضع وديعة خارجية من دون فوائد بكامل قيمة الدين الخارجي للأردن طبقا لحجمه حتى نهاية عام 2012، كضمانة بقيمة الدين الخارجي، إلى أن يتمكن الأردن من التسديد أو معالجة أوضاعه، وأن تصدر دول الخليج للأردن 50 ألف برميل نفط يوميا بأسعار تفاضلية لمدة أربع سنوات على الأقل، وهو ما من شأنه أن يخفف على الأردن وطأة سداد فاتورة الطاقة المستوردة، وأن تلتزم دول الخليج باستكمال تنفيذ المساعدات المالية التي سبق أن أقرتها وهي 5 مليارات دولار على 5 سنوات، على أن يكون الدفع طبقا للمواعيد المحددة، وتضع وديعة مالية بقيمة خمسة مليارات دولار لدى البنك المركزي الأردني لمواجهة أي هزات مالية قد تواجه العملة الأردنية، مع زيادة الاستثمارات الخليجية في الأردن خاصة التي تتيح وظائف للعمالة وتحقق قيمة مضافة للاقتصاد الأردني، وإقرار الاتفاقيات التي تمنح الصادرات الأردنية فرصة دخول الأسواق الخليجية بإعفاء جمركي، وكذلك زيادة عدد الوافدين الأردنيين من ذوي الخبرة والكفاءة الراغبين في العمل بدول الخليج وتسهيل إجراءات إقامتهم.

في المقابل على الحكومة الأردنية الالتزام بالمزيد من الشفافية، والوضوح، والجدية، والسرعة في محاربة الفساد، وإجراء إصلاحات فعلية، وتطوير الأداء الحكومي، وهو ما من شأنه تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمواطن الأردني.

هذا هو المخرج الأفضل - كما أعتقد - لمساعدة الأردن، وحمايته من السقوط في هاوية اقتصادية قد تكون منزلقا خطيرا، أو دخول الأردن في أتون ثورات الربيع العربي تحت ضغط الحاجة الاقتصادية.

* رئيس مركز الخليج

للأبحاث في دبي