الاقتصاد مقابل الكلام!

TT

من يتأمل بعض الملاحظات البسيطة جدا في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الثالثة، التي استضافتها الرياض على مدى اليومين الماضيين، سيجد أننا أمام ما أسميه «الاقتصاد مقابل الكلام»، وهنا يكفي ملاحظة الفارق في عدد كلمات الخطب الملقاة بين الدول العربية المنتجة، والناجحة، وبعض الدول العربية التي تعاني كارثة اقتصادية.

فعلى سبيل المثال، ستجد أن نص كلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقاها نيابة عنه ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز لم يتجاوز الستمائة كلمة، علما بأن السعودية هي المستضيفة، وصاحبة الميزانية المالية التاريخية، وصاحبة المبادرة لإصلاح الاقتصاد العربي، وتجد أن كلمة أمير الكويت الشيخ صباح لم تتجاوز الثمانمائة كلمة أيضا، وللكويت دور مهم وحيوي اقتصاديا، بينما نجد أن عدد كلمات خطاب إحدى الدول العربية التي في حاجة ماسة للدعم قد تجاوز الألفين وأربعمائة كلمة! هذا عدا عن أحد الخطابات الذي لم أجد نصه رغم البحث على مدى يومين، وكل ما تجده هو فيديو للخطاب، وذلك نظرا لكثرة عدد الكلمات! حسنا، ماذا يقول لنا هذا؟

ما يعلمه أهل الاقتصاد جيدا هو أن الاقتصاد لغة أرقام، لا خطابة، وبلاغة، وما يحتاجه العالم العربي هو تحديد المشاكل وبالأرقام، وليس المحاضرة. ومشاكل منطقتنا واضحة جدا، وهي عدم الاستقرار السياسي، وعدم الاكتراث بالإنسان العربي في جل دولنا. والاقتصاد ما هو إلا بمثابة الصداع الذي يشير إلى خلل ما في الجسم. وعندما يكون تعليمك مترديا، ونظامك غير قادر على توفير الوظائف، والأمن، والناس مشغولة بما يفرق، من جدال وخلافه، فمن الواضح أن هناك خللا حقيقيا في النظام السياسي. وهذا هو حال كثير من الدول العربية، وليس دول الربيع العربي وحدها، فهناك السودان، والعراق رغم كل إمكانياته. والإصلاح الاقتصادي يتطلب وضوحا في الرؤية، وإيمانا بمفهوم الدولة، وأحقية الناس في الحياة الكريمة، وهذا ما نراه جيدا في دول الخليج العربي. والقصة هنا ليست قصة نفط، فإيران مثلا دولة نفطية، لكن القصة قصة نظام حاكم يعي أن أول وأهم واجباته هو الاهتمام بمواطنيه وأمنهم ورفاهيتهم، وليس الانشغال بمغامرات لا طائل منها.

ولذا، فقد كان مهما جدا ما قاله ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز في ختام القمة الاقتصادية بالرياض حين خاطب الحاضرين قائلا: «يحدوني الأمل أن تجد قرارات هذه القمة طريقها للتنفيذ بكل جدية ومصداقية، وبالسرعة المطلوبة، وفي إطارها الزمني المحدد، حتى تبلغ أهدافها المنشودة». وهذا هو بيت القصيد؛ فإذا كان هناك وضوح وجدية ومصداقية وإطار زمني، فإن ذلك يعني أن منطقتنا تتحرك نحو الأفضل، أما إذا بقي العالم العربي على حاله من خطابة ليس لها معنى، ومحاضرات، حتى في القمم الاقتصادية، فإن ذلك يقول لنا إنه لا أمل. والحقيقة الماثلة أمامنا، أن منطقتنا بحاجة ماسة لترسيخ مفهوم الدولة من أجل الشروع في إصلاحات اقتصادية حقيقية وإلا فإن القادم أسوأ، فمن لا يجد وظيفة فسيوظفه الشيطان.

فهل يستجيب العقلاء لنصائح الرياض؟

[email protected]