هنا مقابر بناة الأهرام!

TT

المؤكد أن الكشف عن مقابر العمال بناة الأهرام لا يزال هو الكشف الوحيد الذي يجمع بين البحث العلمي والمصادفة التي عجلت بحدوثه لكي يكون أبلغ رد على هؤلاء المشككين في الحضارة المصرية سواء أصحاب النوايا الخبيثة ممن يستكثرون على الحضارة المصرية القديمة أن تكون قد بنيت بيد المصريين القدماء ممن نعرفهم بالفراعنة؛ وهؤلاء قالوا بأن بناة الأهرام هم فضائيون جاءوا من الفضاء ونزلوا مصر وبنوا بها الأهرامات والمعابد بعلومهم المتقدمة وخبئوا بهذه

البنايات أسرار علومهم، ليس هذا فقد بل خرج علينا من يقول ويؤكد أن علماء وكهنة قارة الأطلانتس المفقودة هجروا قارتهم قبل غرقها واختفائها للأبد ونزلوا إلى مصر وبنوا بها الأهرامات ونحتوا تمثال أبو الهول واستودعوها وثائقهم السحرية وكتبهم العلمية قبل أن يفنوا أنفسهم بأنفسهم! وتلقف اليهود هذه الدعايات وكان لا بد أن يدلوا بدلوهم الخبيث ويربطون بين وجودهم في مصر وبين بناء أعظم ما أنتجته الحضارة المصرية وهي الأهرامات فادعوا أنهم قد سخروا لبنائها للملوك الفراعنة؛ ضاربين بالحقائق التاريخية المؤكدة عرض الحائط والتي تؤكد أن بناء الأهرام يسبق وجود اليهود في مصر بأكثر من ألف عام! كنت أدافع عن الحضارة المصرية في كل مكان وأناظر كل من يدعي بغير الواقع التاريخي والأثري وكانت المشكلة أن أفكار هؤلاء كانت دوما تجد رواجا لكل الحالمين المولعين بالخيال وكل ما هو وراء الطبيعة، ولذلك كانت كتبهم على الرغم من ما بها من خرافات تباع منها ملايين النسخ، أما كتابات علماء الآثار الجافة والمملة فلا تباع إلا بين المتخصصين فقط.. كنت أعي هذا تماما وأدبر لهم المفاجآت في كل مناظرة معهم حتى أفوز بعقول الحاضرين أو المشاهدين، فمرة أعرض على الناس أخبار كشف جديد عن تماثيل العمال بناة الأهرام المدهشة، ومرة أعرض لأول مرة مجموعة من ألقاب العمال والفنانين ممن اشتركوا في بناء الأهرامات فهذا الرجل كان المشرف المسؤول عن جانب الهرم، وهذا هو كبير النحاتين، وآخر المشرف على حضور وانصراف الموظفين المنوط بهم العمل الإداري في المدينة الهرمية، بل كان للمرأة دور عظيم كذلك في بناء الأهرامات حيث كانت من تعد الخبز والجعة والطعام لآلاف من العمال وكان منهن القابلات اللاتي قمن بتوليد النساء الحوامل من زوجات العمال والفنانين. وأذكر أنني دعيت إلى مناظرة مع «الأطلانتسيين» اللقب الذي أطلقته على هؤلاء المناديين بوجود القارة المفقودة وذلك على التلفزيون الإيطالي وكان مطلوبا مني الوقوف أمام أبو الهول والسماعة في أذني لكي أناظر من هم في الأستوديو في روما.. وأيقنت أن المشاهدين وبسبب معضلات الترجمة المباشرة سوف يميلون إلى هؤلاء الجالسين بالأستوديو ويتحدثون بلسانهم، وكان علي أن أفعل شيئا لجذب الناس إلى ما أقوله وجاءتني الفكرة لماذا لا أستعين بوجه يعشقه الإيطاليون ليقف إلى جواري وأنا أتحدث؟! ووجدت ضالتي في الفنان الكبير عمر الشريف صاحب أجمل الأدوار في السينما العالمية مع الجميلة صوفيا لورين، وبالفعل لم يتردد عمر وكان موجودا بالقاهرة وجاء ووقف إلى جواري وأنا أناظر المشككين في الحضارة المصرية. ونجحت المفاجأة وفزت بالمناظرة بناء على تصويت المشاهدين بعد أن جذبهم عمر فأنصتوا لما أقول.

قبل الكشف عن مقابر العمال كان السؤال الذي ناقشته في أطروحتي للدكتوراه هو الأماكن المرجحة لوجودها وحددت على وجه اليقين المكان الذي يجب توجيه البحث إليه وعمل الحفائر العلمية به بحثا عن مدافن العمال والفنانين بناة الأهرامات للملوك والمقابر الفخمة للنبلاء وكبار الموظفين.

وبعد الدكتوراه عدت من أميركا إلى الجيزة وقمت بالحفر في المكان المقترح ووجدت بعض أدلة وجود إعاشة بالموقع وجاء الصيف بقيظه لنتوقف انتظارا لموسم عمل جديد. وبعد أقل من شهر دخل إلى مكتبي الشيخ محمد عبد الرازق ليخبرني أن سائحة أميركية وقعت عن صهوة جواد بعد تعثره في جدار من اللبن مدفونا تحت رمال الصحراء على بعد خمسة أمتار من موقع حفائري؛ وذهبت لأعاين المكان ونظرت إلى قوالب اللبن وقلت هنا توجد مقابر العمال.. وقد كان

وللقصة بقية إن شاء الله.