جيل سياسي عراقي جديد

TT

التجربة السياسية في العراق حديثة العهد ولم تصل بعد لمرحلة النضوج أو ولادة جيل من رحم التجربة، بل إن ما هو موجود الآن من فكر سياسي هو بالتأكيد ينتمي لحقبة انتقالية عاشت الماضي بكل سلبياته وصعوباته، وانتقلت للحاضر دون أن تترك ترسبات الماضي وتغادرها.

لهذا ظلت العملية السياسية في العراق محكومة بعُقد الماضي غير القابلة للتجاوز من جهة، ومن جهة ثانية ظلت هذه النقاط تتحكم في تصرفات الكثير من السياسيين لدرجة بات وجود أزمة سياسية من بديهيات الوضع العراقي.

وهذا ما يجعلنا ندرك بشكل أو بآخر أن العملية السياسية في البلد تدار بشكل غير سياسي وبعيد جدا عن الأعراف السائدة في الكثير من النظم الديمقراطية التي نسمع عنها ونراها في قارات العالم كافة.

وللأسف الشديد نحن مارسنا الديمقراطية من وجهة نظر طائفية صرفة، واختزلناه في (لمن نصوت.. للسني أم الشيعي.. للعربي أم للكردي؟). ومن حيث لا نشعر كنا أدوات بيد هؤلاء الذين يتصرفون الآن وكأن العراق قطعة كعك يحتفلون بتقطيعها بسكاكين الشحن الطائفي حينا والقويم حينا آخر.

وهذا ما يجعلنا نطرح سؤالا مهما: هل آن الأوان لأن يُولد جيل سياسي عراقي يعرف الديمقراطية بشكلها المعتاد في العالم؟

جيل يحمل من روح الديمقراطية وثقافتها ما يجعله يمتلك الشجاعة لتهنئة الفائز والاعتراف بالهزيمة، نحن نحتاج لجيل سياسي ينصف الديمقراطية ولا يتلاعب بها، ينتصر لها بقوة ولا يهزمها، ولا يتخذها معبرا لتحقيق نوازع وأهداف لا تخدم سوى أشخاص معدودين، نحتاج لجيل جديد من السياسيين يحترم الأغلبية السياسية التي تفرزها صناديق الاقتراع، جيل من السياسيين يمنحنا فكرا سياسيا ينمي البلد بدل ما هو موجود الآن من فكر سياسي يجعل البلد يقف عند حافات خطرة بين الحين والآخر عبر عمليات الشحن الطائفي، حافات لا نتمنى أن نصل إليها لمجرد خلاف سياسي بين هذا الطرف وذاك، حافات كان الأجدر بنا أن نمحوها من تضاريس الخارطة السياسية العراقية ومن مفردات التصريحات اليومية التي عادة ما تكون تداعياتها مزيدا من الدم العراقي يسال هنا وهناك. قد نكون نعيش في حلم بأمنياتنا تلك، ولكن أليس من حقنا أن نحلم؟ لماذا لم تفرز الديمقراطية العراقية حتى اليوم كاريزما سياسية تكون قادرة على صناعة مشروع وطني من جهة، ومن جهة ثانية تقود البلد للتنمية الشاملة وبناء الدولة الجامعة للمكونات والأطياف وهي دولة المواطنة التي يتمناها الشعب العراقي؟ وعلينا أن نقول هنا بصراحة بأن كل ما أنتجته الديمقراطية العراقية حتى الآن أمراء طوائف ليس إلا.

لماذا كل ما أنتجته الديمقراطية العراقية حتى اللحظة مجموعة أزمات ومجموعة توافقات مع إهمال واضح للدستور الذي دفعنا فاتورته دما عراقيا شريفا؟ وهذا يجعلنا نتساءل هل أفرزت ديمقراطيتنا ديمقراطية؟ يبدو السؤال أشبه بالفلسفة التي يرفضها البعض ويتهرب منها، الديمقراطية تبدأ من الفرد لتنهي في قمة الهرم، ولكن نجد في العراق الجميع يتحدث باسم الجميع، والجميع يصادر حق الجميع، وللأسف الشديد الأزمة الأخيرة أثبتت أنه حتى بعض ممثلي الشعب في البرلمان لا يمتلكون أصواتهم التي أحيانا كثيرة تصادر بشكل أو بآخر. لهذا أقول: نحتاج لجيل سياسي جديد مدرك لقيمة الديمقراطية وعارف بأمورها، جيل يؤمن بالدستور كحاكم ومرجعية يلجأ إليها، حتى وإن كان هذا الدستور يحتاج لوقفات هنا وهناك إلا أنه في كل الأحوال دستور يجب أن يحترم.

لهذا علينا أن نقول بأن السياسة حوار بين الجميع والسياسي يجب أن يؤمن بالحوار الذي هو الطريق الوحيد الذي تعترف به الديمقراطية كمسلك لا بد من السير فيه حتى النهاية لكي لا ندخل في متاهات وأنفاق لا ضوء في نهايتها، لأننا كشعب نحتاج للضوء حتى وإن كان في نهاية النفق.