هدفان حققهما الإخوان

TT

استطاع النظام الحاكم في مصر - حزب الحرية والعدالة ورئيس الجمهورية المستند إليه الدكتور محمد مرسي - أن يحقق هدفين عزيزين على مصر في فترة قياسية، ما أظن أن أحدا كان يستطيع تحقيقهما لمصر في هذا الزمن الوجيز الذي لم يتجاوز ستة أشهر غيرهما.

أما الهدف الأول فهو أن الشعب المصري عرف حقيقة النظام الذي يحكم والجماعة التي تساند هذا النظام معرفة حقيقية بغير تزويق ولا تجميل. عرف الشعب المصري كيف تستطيع مجموعة من الناس كانت تحظى بقدر من التعاطف لقاء ما عانته طوال سنوات طويلة من قهر لكل المصريين وهم جزء منهم، عرف الشعب المصري كيف تستطيع هذه المجموعة أن تفقد كل هذا العطف وأن يحل محله جبال من الرفض وخيبة الأمل. استطاعت هذه المجموعة في هذه المدة الوجيزة أن تفقد كل ما كان لها من رصيد نتيجة ما عرف عنها من قصور وكذب بل وتضليل ونتيجة ما وصل إليه الحال في كل جوانب الحياة الأمنية والاقتصادية والسياسية جميعا.

لم يحدث أن عاش الشعب المصري منذ أيام محمد علي فترة من السوء قدر فترة حكم حسني مبارك. وجاء هؤلاء الذين يحكمون الآن ليسيروا على نفس النهج البغيض السيئ وزادوا عليه قدرا كبيرا من الغباء العقلي والإساءة إلى الإسلام السمح الحنيف بأن نسبوا إليه ما ليس فيه من تطرف وتعصب وجمود وأوشكوا أن يقضوا على الدولة المدنية - دولة كل المواطنين - ولا تكفّ محاولاتهم عن السيطرة على مفاصل الدولة بهدف واضح وهو الحيلولة دون تداول السلطة.

استطاع النظام الحاكم خلال هذه المدة الوجيزة أن يقنع الشعب المصري بكل هذه السوءات.

هذا هو الهدف الأول الذي حققوه - شكر الله لهم.

أما الهدف الثاني فهو أنهم أشعروا كل القوى المدنية والديمقراطية والوطنية بمدى الخطر الذي يحيق بمصر، مما دفعنا جميعا إلى الاقتراب بل والتوحد في جبهة تسعى لإنقاذ البلاد من الوهدة التي تردت إليها. هذه القوى التي تتشكل منها جبهة الإنقاذ تمتد من اليسار ممثلا في حزب التجمع، بل ومن هم على يساره، لتشمل التيار القومي من ناصريين وتيار شعبي وغيرهما من ممثلي القوى القومية العروبية، لكي تصل بعد ذلك إلى مجموعة من الأحزاب الليبرالية، الوفد أقدمها وأوسعها انتشارا في الأقاليم، وبعد الثورة تشكل حزب الدستور وحزب الجبهة الديمقراطية الذي قام قبل الثورة وبشر بها.

وتضم هذه الجبهة أيضا حزب المؤتمر الذي يضم عددا من الأحزاب الصغيرة التي توافقت على الاندماج والتوحد. وتشكل فصيلا أساسيا من فصائل وقوى الجبهة وغير هؤلاء جميعا هناك من الشخصيات الوطنية ذات التجربة السياسية وذات الفكر المستنير الذي يدعو إلى الاستنارة وتحكيم العقل.

استطاعت الجماعة الحاكمة الآن أن تجعل هؤلاء جميعا يدركون مدى الخطر الداهم الذي يحيق بمصر ويلتقون في اجتماعات شبه مستمرة لكي يكوّنوا جبهة تحت اسم «جبهة الإنقاذ الوطني» التي هي جبهة من أجل مصر ومستقبل مصر والتي أعلنت بوضوح أنها لا ترفض الحوار مع أحد بل إنها تدعو إلى حوار جاد مع كل من يعنيه إنقاذ هذا البلد مما وصل إليه.

تسعى الجبهة إلى حوار له أطراف معروفون سلفا وله أجندة واضحة تتضمن فيما تتضمنه أولويات يقتضيها إنقاذ مصر مما تعانيه ووصلت إليه في المرحلة الراهنة، ومن هذه الأولويات تشكيل حكومة إنقاذ من شخصيات وطنية قومية محايدة لها رؤية وعندها مقدرة وتتمتع بقدر من القبول العام.

وفي مقدمة هذه الأولويات التي تدعو إليها جبهة الإنقاذ إلغاء الإعلانات الدستورية العبثية التي صدرت في الفترة الأخيرة وإيقاف العمل بالدستور اللقيط «غير الدستوري» الذي أعدته ما يقال لها جمعية تأسيسية وما هي كذلك وفقا للمفاهيم الدستورية السليمة، وإعلان العمل مؤقتا ولمدة لا تزيد على عامين بدستور 1971 على أن تنتخب لجنة تأسيسية من الشعب بهدف محدد وهو وضع الدستور الجديد الذي يليق بمصر والذي يؤكد هوية الدولة المدنية الديمقراطية دولة كل المواطنين، وينص على التعددية السياسية الحقيقية ويضع آليات تداول السلطة ويتبنى مفاهيم حقوق الإنسان التي استقرت عليها الدول المتحضرة والتي تضمن كثيرا منها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وتأكيد سيادة القانون وأنه أساس الحكم في الدولة واستقلال القضاء استقلالا كاملا عن كل سلطات الدولة ومراعاة أن القواعد القانونية - وفي مقدمتها القواعد الدستورية - هي قواعد عامة مجردة لا توضع لكي تطبق على فرد واحد أو لكي تنتقم من مواطن واحد.

وبعد أن تنتهي الجمعية التأسيسية المنتخبة والتي لها أن تستعين بفقهاء القانون الثقات بعد أن تنتهي الجمعية التأسيسية من وضع مشروع الدستور يطرح ذلك المشروع للنقاش العام في كل وسائل الإعلام وبعد ذلك كله يستفتى الشعب عليه وهو يعلم تماما على ماذا يستفتى ويشرف القضاء على الاستفتاء. وتدعى مؤسسات المجتمع المدني الداخلية والدولية لمتابعة عملية الاستفتاء ومراقبتها، وليس في ذلك أي انتقاص من سيادة الدولة كما يزعم بعض غير العارفين، ثم بعد ذلك كله تعلن نتيجة الاستفتاء. فإذا وافق الشعب على المشروع فإنه يعطيه من إرادته الحرة قوة النفاذ. هذه بعض أولويات جبهة الإنقاذ وأظنها كلها تعبر عن آمال وتطلعات شعب مصر العظيم وتعكس طموحات ذلك الشباب الرائع النبيل الذي خرج يوم 25 يناير 2011 واستمر في ثورته إلى أن أطاح بطاغية ما كان يتصور أحد أن يطاح به في عدة أيام.

وتريد جبهة الإنقاذ من وراء مشروعها وطروحاتها أن تنقذ مصر من كل طاغية عنيد وأن تحكم حكما ديمقراطيا كما يفهم العالم المتحضر الديمقراطية.

وسينتصر شعب مصر بإذن الله.