لا تغير في الموقف الأميركي من سوريا بمعزل عن البعدين الروسي والإسرائيلي

TT

* لا

* عندما تفجرت الانتفاضة المصرية، وعلى الرغم من الارتباك الأولي، اختارت واشنطن إفهام نظام الرئيس حسني مبارك ومن خلفه المؤسسة العسكرية بأنه آن الأوان للتغيير، لا سيما أنه ظل في مصر شيء يمكن اعتباره مؤسسات سلطة مركزية.

صحيح ضعفت مشاعر المواطنة، وضاع معنى «الدولة المدنية»، وتاه مفهوم «المواطنة»، لكن ظل هناك شيء اسمه مصر، وظل الشعب المصري، بمختلف مشاربه وفئاته، ينظر إلى نفسه على أنه مصري.

وبالنتيجة بعد نحو أسبوعين انتهت رئاسة حسني مبارك، وبدأ عهد جديد تختلف في تقييمه الآراء بينما يختلف صانعوه على شكله وهويته.

لم تشفع لنظام مبارك التزاماته الدولية والإقليمية، وعلى رأسها التزامه باتفاقيات السلام المصرية - الإسرائيلية، مع أنه من الواجب القول إن قرار الإبقاء على النظام أو إزاحته. ومع هذا تعاملت تل أبيب مع التغيير المصري - ظاهريا على الأقل - على أنه شأن داخلي.

الوضع مع ثورة سوريا جاء مختلفا، أميركيا وإسرائيليا..

إدارة باراك أوباما التي رحبت بـ«الربيع العربي» وأيدت دوران عجلة التغيير تعاملت مع الحالة السورية بلغتين ولسانين.

اللغة الأولى هي اللغة المثالية التي تشدد على حق الشعوب وعلى انتصار الديمقراطية من دون دفع أو دعم حقيقي ملموس لتغيير جاء من الداخل وبتضحيات جسام على امتداد قرابة السنتين.

واللغة الثانية كانت لغة البراغماتية القائمة على طرح الشيء ونقيضه، ومعها بررت إدارة أوباما وقوفها مكتوفة الأيدي وسط انتشار المجازر وازدياد القمع وسقوط المحظورات واحدا تلو الآخر.

مفهوم تماما أن نسيج المجتمع السوري مختلف عن نسيج المجتمع المصري أو المجتمع التونسي أو غيرهما من المجتمعات العربية التي عاشت ثورات التغيير.. ومفهوم أيضا عمق العلاقة الاستراتيجية بين نظام دمشق ونظام طهران، وارتياح إسرائيل للدور الذي يؤديه النظام السوري إقليميا على عدة أصعدة، أبرزها إبقاء جبهة الجولان صامتة، واعتماد سياسات تساعد في تنمية الاستقطاب الطائفي والمذهبي في المنطقة، وزرع إسفين في الوحدة الفلسطينية يكفل لليمين الإسرائيلي تجاوز أي استحقاق يتعلق بحلم الدولة الفلسطينية. لكن في المقابل، دأبت واشنطن عبر الإدارات المتعقبة خلال العقود الأخيرة على تصنيف سوريا في خانة «الدول الداعمة للإرهاب»، وكانت ترى - ظاهريا على الأقل - في صلاتها الإيرانية، وانعكاس هذه الصلات على الوضع الداخلي اللبناني، مما يدعو للقلق.

سكوت واشنطن عن وصول «الحالة السورية» إلى ما وصلت إليه يمكن أن يبرر بذرائع كثيرة، من بينها الوضع الاقتصادي والمالي في الولايات المتحدة والذي يدفع أي سياسي حصيف إلى إيلاء الشأن الداخلي رأس أولوياته، لكن ثمة خللا في نظرة باراك أوباما نفسه إلى الأزمة السورية ينم عن اختلالات أكبر. وبالتالي، يستحيل توقع تحسن حقيقي أو نقلة نوعية في مقاربة أوباما في فترته الرئاسية الثانية إزاء سوريا من دون الأخذ في الاعتبار عوامل مهمة أكبر من تغيير وزيري الخارجية والدفاع ومدير الـ«سي آي إيه».

في طليعة هذه العوامل ما إذا كان أوباما على استعداد للتفاوض مع موسكو على مصالحها الخاصة والاستراتيجية في سوريا أم لا. وكل تصرفات أوباما في الماضي والحاضر تشير إلى أنه ليس في وارد اعتماد سياسة شفير الهاوية مع موسكو في ما يخص دمشق، وهذا ما أسفر عن استخدام موسكو ثلاثة «فيتوهات» في أروقة مجلس الأمن الدولي حماية لنظام بشار الأسد.

عامل آخر لا يقل أهمية هو أن أوباما لم يثبت خلال السنوات الأربع الماضية أنه قادر على التحلل من ربقة الابتزاز الإسرائيلي، بدليل نكوصه عن وعد «الدولة الفلسطينية» في مطلع عهده، وعجزه عن وقف آفة الاستيطان. ومعنى هذا أنه ما دامت إسرائيل ترى في أي تغيير في سوريا تهديدا لوجودها، سيكون توقع أي خطوة عملية يعتمدها البيت الأبيض لإنهاء نظام الأسد، ومعه معاناة الشعب السوري، أمرا صعب الحدوث.