ببساطة: اعرف عدوك

TT

الشكر للذين توافقوا معي، وأيضا للذين أمطروني بوابل من الرسائل الغاضبة عن مقالي السابق حول إسرائيل، متهمينني بالدعوة للتطبيع، والدفاع عن اللغة العبرية، والتمجيد لليبرالية الإسرائيلية، وهذه الأخيرة تهمة من شقين كما يظهر.

أمر متوقع ما حصل لي لأني تعمدت الدخول إلى المنطقة المحرمة، ولكني يؤسفني أن أقول لهؤلاء، رغم تقديري لرأيهم، إن غضبهم لن يغير من الواقع شيئا، إسرائيل كما هي؛ دولة صغيرة أقوى من أمة، والعرب على حالهم؛ أمة كبيرة تهزمها دولة.

لم يكن المقال يناقش الموقف السياسي من إسرائيل، لأن هذا الأمر حسمه العرب في قمة بيروت 2002 حينما أقروا مبادرة السلام العربية، وهي المبادرة التي ستظل مفتاح الحل السياسي مهما طال الزمن لأنها تعيد الحق لأصحابه وتؤسس لعلاقات طبيعية بين العرب وإسرائيل.

كان مأخذي أن العرب يتغطرسون، يترفعون عن معرفة عدوهم حتى لا يضطروا للاعتراف بوجوده. ولكن الحقيقة المرة أننا إن لم نعترف بإسرائيل قولا، فالواقع يعترف بها في قبور الشهداء، ومخيمات اللاجئين، وفلسطينيي الشتات، والأراضي المغتصبة، والحروب الدورية على لبنان وغزة، ومشاريع الاستيطان. لا يهم بعد ذلك إن كابرنا وتعالينا فوق الواقع لأننا سنبقى وحدنا نغمز في الظلام.

معرفة كيف تحيا إسرائيل، كيف تتطور، كيف تتعلم، كيف تصنع، وأي الرياضات تمارس، ليس تطبيعا. المعرفة ليست بالضرورة علاقة بين طرفين، فقد تكون علاقة فردية بين المرء ونفسه.

أعظم عدو للإنسان هو الجهل، وأعظم رغبة قد تعتريه هي الجنوح للمعرفة. الفضول وسبر الأغوار شعور يشبه العطش والجوع، رغبة ملحة، توق وشوق ونهم لا يفهمها كثير من الناس، إنها إضاءات مهمة لفهم الطرف الآخر، لذلك على الأمة العربية الكريمة أن تسأل نفسها كيف لها أن تتلمس طريقها في الظلام وهي تشيح بوجهها عن مشعل النور؟

ليس من الضرورة أن يقرر العرب تعلم اللغة العبرية ليفهموا عدوهم، فليس كل الإسرائيليين يجيدون العربية أو يميلون لدراستها، اللغة إحدى وسائل المعرفة، إنما من الواجب أن تحظى العبرية على الأقل باهتمام دول الجوار الإٍسرائيلي، لأن إسرائيل ستظل جارتهم، وعدوتهم حتى حين، ولا تصدقوا ادعاءات مسح إسرائيل من الخريطة، وحدها «غوغل» الأميركية من يستطيع فعل ذلك.

اللغة العربية لغة رسمية في إسرائيل لأن خمس السكان هم من العرب. ولكن عرب إسرائيل ليسوا سببا أساسيا في إقبال الإسرائيليين على التعرف على الدول العربية. سبب حماسهم هو بدافع المعرفة، لأن عزلتهم، وإن كانوا الأقوى، لن تأتي لهم بخير، وإن كنا نؤمن بأننا في حالة حرب مع إسرائيل فإن الحرب خدعة، والخدعة أساسها المعرفة.

لا تبتعدوا كثيرا، تصفحوا مواقع الإنترنت وانظروا كم صفحة تصدر من إسرائيل تتيح اللغتين العربية والعبرية للقارئ، وكم عدد الصحف والمجلات التي تحمل نسخة عربية، بعضها متخصص في العادات والتقاليد الشرقية، وبعضها ينقل الأخبار المحلية لدول عربية تعتبرها إسرائيل معادية لها كبعض دول الخليج.

إمعانا في الضغط على الجرح تابعوا المتحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية في موقع «تويتر». ستفاجئون أنه شاب في الثلاثين من العمر يتحدث العربية بطلاقة، ويغرد بأخبار الجيش الإسرائيلي، وفي كل مناسبة للمسلمين يضع لهم تهنئة جيش الدفاع الإسرائيلي متمنيا لهم عيدا سعيدا أو صياما مقبولا أو حجا مبرورا. بطبيعة الحال هو لا يخاطب عرب إسرائيل، ولا حتى الفلسطينيين فقط، هو يوجه خطابه لكل عرب «تويتر»، يستفزهم بالحوار الهادئ، فتثور عواطفهم بسيل من اللعن والشتائم، لكنه يمضي في مسعاه. لا يسايرهم حبا فيهم، ولكنه يستهدف عمقهم الثقافي.

وفضلا عن اللغة، لاحظوا كيف يتعامل الإعلام العربي مع إسرائيل، إنه يجبن عن نشر الأخبار ذات الطابع الثقافي أو الاقتصادي، أو حتى بعض السياسي، لأنه يخشى من رجل الشارع أن يثور عليه ويتهمه بالصهينة. لذلك يتجنب عرض الحقائق أو يختار منها الضئيل. حتى في وقت دوران المعارك ضد غزة أو لبنان، كانت الفضائيات العربية تتجنب أو تحذر من استضافة متحدث باسم الجانب الإسرائيلي حتى لا يغضب عليها المشاهد العربي صاحب الرأي الواحد، رغم أن الاستماع لطرفي المعادلة هو من صميم مهنية العمل الإعلامي. وحدها قناة «العربية» تجرأت على كسر المحذور، لذلك لم يتأخر بعضهم من تحوير اسمها إلى «العبرية».

الحقيقة أن العرب انشغلوا بالغضب والكره الأعمى منذ نكسة 1967، وفي هذه الأثناء، بنت إسرائيل 8 جامعات حكومية، و200 متحف، يطوف بها 4 ملايين سائح سنويا، وأصبحت منافسة للولايات المتحدة في صناعة البرمجيات والأجهزة الإلكترونية.

وبلا قصد إغاظة المتحمسين الغاضبين، فإن الناتج المحلي لإسرائيل 240 مليار دولار سنويا، وما تقدمه أميركا من مساعدات سنوية لإسرائيل لا يتجاوز 1.5 في المائة من قيمة الناتج المحلي، وثلاثة أرباع هذه المساعدات تذهب في شراء الأسلحة، أي أن واشنطن تعطيهم باليمين وتأخذه بالشمال. هذه المعلومة تدحض ادعاء من يقول إن أميركا تطعم الإسرائيليين الخبز وتنفق على تعليمهم وصحتهم. هذا غير صحيح للأسف، إسرائيل دولة غنية لا تحتاج من ينفق عليها، فوضعها الاقتصادي يشابه إلى حد بعيد اقتصاد كوريا الجنوبية.

فقط اقرأوهم، لتفهموا أين أنتم منهم، الحروب لا تكتسب بمشاعر الكراهية وإلا لهيمن العرب على العالم بعواطفهم السلبية تجاه الأشياء والأحداث.

«اعرف عدوك» حتى لا تتفاقم الخسائر، هذه كانت دعوتي، ولا أزال عليها.

[email protected]