لماذا يقول أهل جدة «دا حين»

TT

كيف تقول «الآن» في بلدك؟ إذا كنت لبنانيا فسوف تقول «هلق»، وهي مأخوذة بوضوح من «هذا الوقت». وفي يعفور قرية السفير عمر الحسن يقولون «هالقيت» ممدودة، وواضح أن المصدر نفسه، وكذلك في عموم فلسطين. وفي مصر يقولون «دلوقتي» كما في إنشاد أم كلثوم «يا حبيب امبارح وحبيب دلوقتي، يا حبيبي لبكرة ولآخر وقتي». وفي العراق يقولون «هسّع» بتسكين العين إذا وقعت قبل «عيني شنو تريد». وفي الكويت يقال «هالحين» ويترك لك تفسيرها.

أهل جدة يقولونها بطريقة أخرى «دا حين». لقد انتقوا أكثر كلمات اللغة ثورية وتضمينا لسير الزمان. ودعونا ننادي على شاهد من أهلهم، وإليكم كتاب «قطوف اللغة» للأستاذ فتحي الخولي الصادر عن «مكتبة الإرشاد» في «عروس البحر الأحمر».

يقول في فصل «الحين»، إنه جاء في كتاب «البصائر» أن الحين حفظك الله «هو وقت مبهم يصلح لجميع الأزمان، طالت أو قصرت، يكون سنة وأكثر. وقيل الحين الدهر وقيل يختص بأربعين سنة وقيل سبع سنين وقيل سنتان وقيل ستة أشهر وقيل شهران وقيل في غدوة وعشية حين».

وفي مجال آخر قيل الحين هو المدة ومنه قوله تعالى «فتولّ عنهم حتى حين» أي حين تنقضي المدة التي أمهلوها. والجمع أحيان وجمع الجمع أحايين. وحنيت الشيء جعلت له حينا وأحينت بالمكان أقمت به حينا.

نبقى مع «قطوف اللغة» واختلاف العامة في تعيين أو تحديد المعاني. فقد بقيت سنوات أسأل في السعودية «كيف الأهل» وأظن أن المقصود العائلة، ويسألون كيف العائلة فأظن أنهم يعنون الأهل. وفي الحالتين كنت مخطئا. ويشرح «قطوف اللغة» أن أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين، فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد. وعبّر بأهل الرجل عن امرأته. وفي المثل «الأهل إلى الأهل أسرع من السيل إلى السيل» وفي «المصباح» تأهل الرجل تزوج. وفي الهوية اللبنانية «متأهل، أو أعزب» وليس «متزوج أو أعزب».

وفي عاميتهم التي هي الأقرب إلى الفصحى في بلاد العرب، يقول السعوديون «سرت» بمعنى ذهب ومضى. ولكن تقع سرت نفسها في معنى المجيء، كأن تقول يسري عليه ما يسري على غيره، أي يأتيه ما يأتي سواه، وسرى عليه الهم أي أتاه ليلا، وسرَّ عنك الهم: أذهبه.

ولا حدود يا مولانا لمرونة هذه اللغة ووسع طيفها الكثير من المتع والبدائع. ومن أجمل عناوين الكتب «لسراة الليل هتف الصباح» للراحل الكريم عبد العزيز التويجري، ابن البادية الذي سيطر الليل على ذاكرته وأضاءت الشمس فكره، ومن هنا عنوانه الآخر «خاطب ليل ضجر».