«حق الرد» على إسرائيل.. متى وأين؟

TT

اختراق المقاتلات الإسرائيلية للعمق السوري ومهاجمة أهداف على تخوم العاصمة دمشق وعودة هذه الطائرات إلى قواعدها سالمة لن تحسب هذه المرة على أنها واحدة من العمليات الروتينية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بين الحين والآخر. فتوقيت الهجوم وطريقة تنفيذه حمل معه أكثر من تساؤل واستفسار.

من المهم طبعا التدقيق في الروايات السورية والإسرائيلية حول الاعتداء ومقارنتها وتحليلها، ففي حين تقول دمشق إن العملية استهدفت مركزا سوريا لأبحاث ودراسات عسكرية، لمحت تل أبيب إلى أن المستهدف هو شاحنات محملة بالصواريخ في طريقها إلى حزب الله ومركز لتطوير التكنولوجيات الحربية السورية يشكل خطرا على التفوق الإسرائيلي وغير المسموح بتجاوزه.

ما الذي يعنيه هذا العمل العسكري الإسرائيلي العدواني؟ وهل هو حقا دخول إسرائيلي مباشر على خط الأزمة السورية كما يرى البعض؟ هل هذه العملية الحربية هي محاولة إسرائيلية لخلط الأوراق وتوجيه بعض الرسائل الداخلية والإقليمية والدولية التي تحتاج إليها في هذه الظروف؟ هل سترد دمشق على الغارة الإسرائيلية أم أن البعض سيتحرك بالوكالة عنها للدفاع عن خطه الأحمر، بقاء النظام السوري، ويوجه إلى إسرائيل الصفعة المناسبة؟ هل التحرش الإسرائيلي الأخير بدمشق على هذا النحو سيقود حتما كما تقول أنقرة إلى تهديد السلم الإقليمي؟ أليس التلويح الدائم بورقة من هذا النوع هو مركز القوة في استراتيجية نظام الرئيس الأسد والمدافعين عنه حتى اليوم؟

دمشق قالت إنها تملك القرار وتملك المفاجأة في الرد على العدوان، وهي تردد أنها لن تقع في المصيدة الإسرائيلية التي تحاول استدراجها إلى المواجهة وأنها هي التي ستختار المكان والزمان الذي يبدو أن طهران هي التي ستحددهما طالما أن القيادة الإيرانية تقول إن الرد على العدوان الإسرائيلي سيشكل صدمة كبيرة لإسرائيل تصيبها بحالة من الغيبوبة.

تل أبيب تلتزم الصمت كعادتها في عمليات مماثلة، لكن الرسالة الإسرائيلية الأقوى تقول إن الخطوط الحمراء الإسرائيلية تنافس ليس فقط الخطوط الحمراء السورية، بل الإيرانية وحتى الروسية المحذرة من التطاول على السيادة السورية وتقديم أي عمل عدواني على النظام السوري، وكأنه استهداف لهذين البلدين. إذا لم ترد دمشق ولم يرد حلفاؤها على العدوان الإسرائيلي فقد يشجع ذلك الآخرين على التدخل تحت ذريعة أو أخرى، وتكون إسرائيل أول من يدشن عمليات التدخل الإقليمي العسكري المباشر في الموضوع السوري، فكيف ستتصرف دمشق وطهران وموسكو؟

بشكل آخر، نتنياهو المنهمك في تشكيل حكومته الجديدة أراد منذ البداية أن يحدد أهدافها وطريقة عملها، وإن تل أبيب متمسكة بمعادلة عدم السماح بتغيير موازين القوى لصالح أطراف في حالة حرب أو نزاع معها حتى ولو كان ذلك يمنح دمشق وطهران الفرصة التي يرددان أنهما يحتاجان إليها لإشعال فتيل الانفجار في المنطقة. فهل سيأتي الرد على إسرائيل أم أن ضبط النفس السوري الذي تعودنا عليه منذ عقود لن يخيب آمال البعض؟

الرسالة الإسرائيلية تعني طهران أيضا، فهي تشير إلى أنها جاهزة أيضا للمنازلة وأنها تفتح الطريق أمام واشنطن لتتحرك هي الأخرى إذا ما كانت ستبحث عن أسباب كافية للدخول إلى مسرح العمليات القتالية، فهل سترد إيران؟ وهل ستستجيب إدارة البيت الأبيض للنداء الإسرائيلي؟

دخول إسرائيل بهذا الشكل يأتي بعد أكثر من رسالة إسرائيلية باتجاه أنقرة حول التقارب وتحسين العلاقات، لكن أردوغان سارع وقبل أن يتحدث البعض عن تنسيق تركي إسرائيلي في هذه العملية للتنديد بالعدوان الإسرائيلي الذي لا يفاجئ أحدا ونحن تعودنا عليه، لكنه لم يتردد في توجيه رسالة مماثلة إلى النظام السوري يسأله فيها متى وكيف سيرد.

الأتراك يتساءلون: هل كفاءة الطيارين الإسرائيليين هي العالية، التي نجحت في الوصول إلى قلب العاصمة السورية، أم أن الرادارات السورية التي التقطت الطائرة التركية التي كانت تقوم بمناورة من دون ذخيرة هي التي عجزت عن اعتراض طريق المقاتلات الإسرائيلية وهي تحلق في سماء العاصمة السورية؟

ما لم يقُله أردوغان لكنه أراد التذكير به هو نجاح أجهزة الرصد السورية أو الروسية في المتوسط باكتشاف تحركات الطائرة التركية واستهدافها فوق المياه الدولية قبل أشهر وعجز هذه الأجهزة الدائم عن التقاط وإسقاط المقاتلات الإسرائيلية. فهل هو فشل حقيقي أم هو تجاهل للهجمات الإسرائيلية لأن المعركة الحقيقية لسوريا وشركائها لم تعد مع تل أبيب، بل هي مع الثوار المنتفضين في المدن السورية، وهي لا تريد التفريط بالرجال والعتاد في مواجهة ليست بين أولوياتها؟

دمشق تدرس حيثيات العملية وتداعيات الخطوات المحتملة وتستعد لمعركة «خاربة خاربة» لكنها مشتتة الذهن، أين ومتى وكيف ستستخدم مخزونها الحربي.

ومع ذلك تظل الغارة الإسرائيلية على دمشق خرقا لمواثيق وأعراف وقواعد المجتمع الدولي والأمم المتحدة وتستحق التنديد بها رغم معرفتنا أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. لكنه في الوقت الذي كانت فيه الدول والمنظمات العربية والإسلامية تدين العدوان، كان مجلس الأمن الدولي يندد بالاعتداء الإرهابي على السفارة الأميركية في أنقرة. هل هي ازدواجية المعايير الأممية أم أن دمشق ستتذرع بالفراغ الدولي والخرق الإسرائيلي لمعايير السلام والأمن الدولي لتفاجئنا برد ساحق ومميت؟

ربما موسكو التي وصفت العملية بالعدوان على دولة ذات سيادة قادرة على فعل شيء ما غير استخدام حق النقض الذي لجأت إليه أكثر من مرة للذود عن النظام السوري.