مستقبلنا والفخ الذي ينتظره

TT

يسعى أصحاب المواهب والذكاء والطموحات والإمكانات للتوجه للمهن المتميزة، الطب والهندسة والتجارة والقانون والعلوم والتكنولوجيا والفنون والأدب ونحو ذلك. يشكلون الطبقة المتوسطة التي كانت تسعى في كل مكان لحياة متميزة تقوم على مستجدات العصر الحديث، في المأكل والمشرب والملبس والحرية والرقص والاستحمام في البلاجات والمسابح المختلطة، والحياة المختلطة في الجامعات والنوادي والمراقص والمطاعم. يهيمون بالموسيقى الغربية، الكلاسيكية أو البوب. يرسلون بناتهم لتعلم الباليه وأولادهم لغناء الأوبرا وباخ والعزف على القيثار والبيانو. إذا مسكوا كتابا فهو عن سارتر أو ماركس أو بودلير أو شكسبير. ساقهم كل ذلك في بلادنا للثورة والإصلاح والتجديد ومواكبة العصر. ومنها أن سعوا للديمقراطية دون أن يدركوا أنها تؤدي إلى ما سماه الفلاسفة عبر العصور حكم الغوغاء. طبعا، ينطبق ذلك، خصوصا، على الشعوب المتخلفة التي تعم فيها الأمية.

فلت الحكم من أيديهم ووقعوا في الفخ. يتحكم الآن في بلدانهم الإسلاميون الذين يعارضون تلك الأنماط من الحياة العصرية. فما العمل؟ هذه الأنماط من الحياة المتحررة متوافرة في الغرب، فلماذا يتعبون أنفسهم بإصلاح مجتمعهم وتطويره؟ هكذا راحت هذه الشريحة تنزح نحو الدول الغربية، وهي ترحب بهم وبقدراتهم. ومن لم يفعل راح يبعث أولاده للمدارس في الغرب. هذا ما يجري الآن في العراق على نطاق واسع. وهناك ذابوا في المجتمع الغربي وتزاوجوا مع بناته وأولاده وتناسوا أوطانهم، وقرر أكثرهم عدم العودة إليها أو الانتماء لها.

تحمل هذه الشريحة درجات عالية من الـ«آي كيو» (الذكاء) والمواهب والطموح والديناميكية والقوى الخلاقة، وإلا لما برزوا في تلك المهن الاختصاصية. نزوحها ونزوح أولادها للغرب يعني إغناء الغرب وإفقار بلادنا. بعد جيلين أو ثلاثة، سنجد شعوبنا تتكون من فئات محرومة من تلك المواهب والقدرات وراضية بكسلها وجهلها وحمقها وتأخرها. يسلون أنفسهم بنظم الشعر ولعب الطاولة والاستماع للراديو ومشاهدة التلفزيون واللطم على صدورهم. يتزاوجون في ما بينهم ليورثوا أرضنا بأجيال تصبح عبئا على المدنية والتقدم وشوكة في الاستقرار العالمي والأمن والسلام. يخف إلينا الغربيون من حين لآخر بدباباتهم وطائراتهم ليؤدبونا ويصلحوا أمورنا. من كنا نسعى للتخلص منهم يصبحون سادة وأوصياء علينا. ومن يدري؟ ربما يمل الغربيون في الأخير من القيام بهذا الدور فيكلفون إسرائيل مشقة المهمة.

يحاول الإسلاميون المتشددون تحاشي كل ذلك بغسل دماغ الناشئة بمناهج مدرسية متطرفة تبعدهم عن معالم الحضارة المعاصرة وأفكارها ومغرياتها. سيتطلب ذلك سنين طويلة لتحقيقه. هل سيبقون في الحكم حتى ذلك؟ وإذا بقوا، هل سينجحون فعلا في دحر كل ضغوط واكتشافات وقنوات الفكر الحديث والصعود للقمر والمريخ بمنهجهم هذا؟

بكلمة واحدة، هناك فخ رهيب ينتظرنا.