ملوخية بالأرانب يوم عودة الصندوق

TT

استكمالا لقصة الصراع بين باورع، حاكم البر الغربي للأقصر غير الأمين وباسر حاكم البر الشرقي للأقصر الرجل الأمين الذي حاول إنقاذ مقابر الفراعنة من النهب والسرقة التي يقوم بها باورع نصل إلى اللجنة الثانية التي شكلها الفرعون من رجال ليس لهم علاقة بباورع، كما يصعب عليه هو أو رجاله أن يرشوهم. وذهبت اللجنة إلى وادي الملوك ومواقع أخرى، وقاموا بفتح الكثير من المقابر، وأصابتهم الصاعقة عندما وجدوا أن معظم المقابر قد سرقت. ثم قام الـ«كنبت» (kenbet) أي (مجلس القضاة) بالنظر في القضية وأمر بعمل تحقيق، وتم تسجيل اعترافات للصوص، وأدين ثلاثة رجال بالسرقة من مقبرة الملك سوبك إم ساف الثاني من الأسرة الـ17 (قبل عام 1571 ق.م)، واعترف اللص للمحكمة بتفاصيل عثوره على مومياء الملك قائلا: «لقد كان مزودا بسيف، كما كانت هناك مجموعة من التمائم والحلي المصنوعة من الذهب حول رقبته وعلى صدره.. كما كان تاجه من الذهب الخالص على رأسه.. وكانت مومياء الملك مغطاة بالكامل بالذهب.. وكانت توابيته مكسوة بالذهب والفضة من الداخل والخارج ومطعمة بكل الأحجار النفيسة.. لقد سطونا على الأثاث الذي عثرنا عليه متضمنا أواني من الذهب والفضة والبرونز.. وقد تم تسليم الرجال المدانين إلى الكاهن الأكبر لآمون الذي أرسل مرسوما يأمر بالقبض على جميع لصوص المقابر الذين هربوا، وتم حبسهم جميعا بمعبد آمون حتى يقرر الفرعون العقوبة المناسبة بشأنهم.

ولنا أن نتخيل إذا تم العثور على مقبرة الملك رمسيس الثاني كاملة، فما هي نوعية الكنوز التي يمكن أن تحتويها؟! للأسف تمت سرقة معظم مقابر الفراعنة خفية على يد لصوص اختبأوا في الليل وكسروا الأختام وشقوا سكون الوادي الصامت. لقد كنا محظوظين بالعثور على مقبرة الملك الذهبي توت عنخ آمون سليمة في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1922م على يد المكتشف الإنجليزي هوارد كارتر.

قصص وألاعيب لصوص المقابر ليست من الماضي فحسب، ولكن سرقات المقابر ما زالت تحدث إلى اليوم مثلما رأينا بسقارة. فالآثار المصرية تعاني بشدة من أيادي اللصوص الذين يسرقون النقوش والتماثيل من المقابر، كما يقتحمون المخازن بالمواقع الأثرية ليسرقوا ما بها من قطع أثرية، وفي بعض الأحيان يسطون على المقابر قبل أن يعثر عليها الأثريون. وقد حاولت الشرطة إحباط تلك السرقات، ولكن على الرغم من جميع محاولاتهم فإنهم لن يستطيعوا العمل على منعها تماما، وهو ما يجعل اللصوص يستمرون في تهديد تراثنا الحضاري.

عندما كنت في الحادية والعشرين من عمري كنت أعمل مفتشا للآثار بصحبة بعثة إيطالية بمنطقة الشيخ عبادة تحت إشراف السيد سرجيو دونادوني Sergio Donadoni. وفي يوم ما، دخل اللصوص معسكر البعثة وسرقوا صندوقا مليئا بالآثار، وكانت صدمة لنا جميعا وشعرنا بأننا مكتوفو الأيدي. وأردت أن أتصدى لتلك الجريمة وأعيد الصندوق. واكتشفت أن عمدة القرية كان رجلا يتمتع بالنفوذ، وظننت أن مفتاح هذا اللغز يكمن عنده. فقمت بمقابلته وقلت له: «أنا متأكد أنك تعرف من هو سارق الصندوق.. وإذا لم تحضره في غضون ساعة سوف أبلغ الشرطة بأنك أنت الذي رتبت لتلك السرقة..»، فرد العمدة قائلا: «سنرى!»، وبعد مرور ساعة، عاد العمدة ومعه الصندوق المسروق على ظهر حمار، وقال: «لقد أحضرت الصندوق لك الصندوق ليس خوفا من تهديدك لي ولكنني أحببت شجاعتك كشاب وأنا مسؤوليتي حماية آثارنا..». وكان دونادوني في غاية السعادة ولم يصدق أن الصندوق قد عاد! وفي تلك الليلة تناولنا الملوخية بالأرانب احتفالا بعودة الصندوق.