الحاجة لا تزال ماسة لأطباء الرعاية الأولية

TT

أطباء الرعاية الأولية primary care physicians هم أساس أي نظام صحي لتقديم الرعاية الطبية والصحية لعموم الناس في أي من مجتمعات العالم. وكلما توفرت أعداد كافية من الأطباء المتخصصين في هذا الجانب المهم لخدمة المرضى، ارتفع المستوى الصحي في المجتمع وتناقصت كذلك أعداد المرضى المحتاجين للرعاية الطبية في المستشفيات. ويمثل توفير هؤلاء الأطباء في المستشفيات، وفي المناطق الريفية على وجه الخصوص، أحد الاستراتيجيات المهمة لبرامج تقديم الرعاية الطبية والصحية في الدول.

يشمل مصطلح أطباء الرعاية الأولية المتخصصين في طب الأسرة family medicine، والطب الباطني العام general internal medicine، وطب الأطفال العام general pediatrics وطب الشيخوخة العام geriatric medicine، والطب الوقائي preventive medicine وأطباء الممارسة العامة لتقويم العظام osteopathic general practice..

وعلى الرغم من إدراك أنظمة الرعاية الصحية العالمية أهمية خدمات هؤلاء الأطباء المتخصصين والقناعة التامة بجدوى الإنفاق على تدريبهم ورفع مرتباتهم، فإن برامج رفع أعدادهم وتوفيرهم في المناطق الريفية لا تزال متعثرة. وفي عدد يناير (كانون الثاني) الماضي من المجلة الأميركية لـ«الشؤون الصحية»، نشر الباحثون من جامعة جورج واشنطن في واشنطن العاصمة، نتائج دراستهم تقييم الجهود القومية الأميركية خلال الأعوام الثمانية الماضية لزيادة انخراط الأطباء المتخرجين حديثا في برامج التخصص لطب الرعاية الأولية. وكانت هيئة «ميديكير» الطبية قد بدأت في 2005 برنامجا للتطوير يهدف إلى إعادة توزيع وظائف 3 آلاف طبيب حديثي التخرج للعمل في وظائف طب الرعاية الأولية بالمستشفيات وللعمل في المناطق الريفية. وقال الباحثون في محصلة نتائج الدراسة إن الجهود القومية تلك فشلت فعليا في جذب تلك النوعية المطلوبة من الأطباء للعمل في المناطق الريفية، وفشلت في رفع عدد الأطباء المتدربين في تخصص الرعاية الأولية.

يذكر أن برامج تدريب الأطباء المتخرجين تحظى بدعم مادي عال من الحكومة الأميركية، وهو ما يكون على هيئة نحو 13 مليار دولار سنويا تدعم بها تلك البرامج التدريبية، ويضاف إليها نحو 4 مليارات دولار سنويا تقدمها «ميديكير» ونحو مليار دولار سنويا تقدمها إدارة المحاربين القدامى، أي إن مجموع مجرد الدعم المادي للمستشفيات التي تقوم ببرامج التدريب تلك يصل إلى نحو 18 مليار دولار في العام بالولايات المتحدة. وهو ما علق عليه الباحثون بالقول إن البرامج التدريبية تلك تحظى بأعلى دعم مادي لتطوير القوى العاملة في المجال الصحي برمته.

وكانت دراسة سابقة بالولايات المتحدة نشرت عام 2012 قد لاحظت أن نسبة الراغبين في تخصص الرعاية الأولية لا تتجاوز 20% من الأطباء الموشكين على التخرج من كليات الطب. هذا مع العلم بأن حاجة سوق العمل الطبي لتخصص الرعاية الأولية بالولايات المتحدة تشكو من نقص يتجاوز 50 ألف طبيب رعاية أولية للسنوات العشر المقبلة.

وأشار الباحثون إلى أن سبب مشكلة عدم الإقبال على هذا التخصص المهم الذي تمس الحاجة إليه، هو المردود المادي الأدنى بالمقارنة مع التخصصات الطبية الأخرى، ومستوى الهيبة («برستيج») الاجتماعية لطبيب الرعاية الأولية بالمقارنة أيضا مع التخصصات الأخرى، خاصة عند استخدام مصطلحات «الندرة» و«التميز» على المتخصصين في المجالات الطبية المعقدة. ولذا قال الباحثون إن كثيرا من أولئك المتدربين يعمدون لإكمال التخصص في المجالات الأخرى الأكثر جاذبية والأعلى مردودا ماديا كطب القلب والجراحات التخصصية. كما أشار الباحثون إلى مقولة شائعة في الأوساط الطبية وهي أنه على الرغم من إدراك الأطباء أهمية وصعوبة ممارسة عمل طبيب الرعاية الأولية، فإن الأطباء عادة ما يقال لهم: «أنتم أكثر ذكاء وقدرة من أن تذهبوا للتخصص في طب الرعاية الأولية!».

وبالفعل؛ فإن قضية الحوافز الجاذبة للأطباء إلى التخصص في طب الرعاية الأولية لا تزال دون حلول عملية واضحة.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]