ملاحظة إلى الوزير أبو الغيط

TT

عرض الأستاذ سليمان جودة في مقاله يوم الخميس الماضي لمذكرات الدكتور أحمد أبو الغيط، آخر وزراء خارجية في مصر مبارك، الصادرة تحت عنوان «شهادتي: السياسة الخارجية المصرية 2004 - 2011». يؤيد الأستاذ جودة طريقة الدكتور أبو الغيط في السرد، ويؤيد ضمنا، أخلاقيات الرجل في الانسحاب برقي، لا منددا بالذاهبين ولا مهللا للقادمين ولا صامتا في انتظار أن يعرف من سيذهب ومن سيبقى، وهل ذلك نهائي أم لا.

قبل أن أدلي بملاحظة واحدة وبسيطة حول الكتاب، أحب أن أسجل أن مصر أظهرت احتراما شديدا لنفسها، في كل العهود، بأن اختارت رجلا في مستوى الحقيبة وفي مستوى الحقبات. وسوف أذكر للمثال، وليس لظلم من نغفل، بعض هذه الأسماء: مصطفى النحاس باشا، النقراشي باشا، أحمد لطفي السيد، علي ماهر، عبد الخالق حسونة، محمود فوزي، إسماعيل فهمي، عصمت عبد المجيد، عمرو موسى، ونبيل العربي، وثلاثتهم، مثل حسونة، انتهوا إلى أمانة الجامعة العربية.

وأحمد أبو الغيط كان أقل علاقة بالأضواء والناس، وظلم في ذلك بالحلول محل عمرو موسى، الذي عندما تحول إلى شخصية شعبية وسياسية لا دبلوماسية، نقل على وجه السرعة إلى الجامعة من باب «العزل إلى فوق». في أي حال، يقول أبو الغيط، أو بالأحرى يؤكد، أن حسني مبارك لم يتخذ أي خطوة على الإطلاق يفهم منها أنه أراد توريث السلطة نجله جمال. وفي المبدأ، هذا صحيح. ولكن الرئيس السابق لم يخسر كلمة واحدة على مصر أو على العرب أو على حلفائه، يطمئنهم فيها بأن مصر لن تدخل الطريق المسدود في العالم الثالث، وليس من قدرات ولا من طبيعة الناس أن تقرأ النوايا. فالأسهل من ذلك إصدار بيان صغير مقتضب واضح يقول للمصريين، اصرفوا طاقاتكم في أشياء أكثر أهمية، فجمال لن يرشح رغما عنكم ولن يفوز بأصوات لم تقترع. هذه مرحلة انتهت. أنا أريد أن أعد مصر للانتقال إلى حياة طبيعية، لا يكون فيها ابن الرئيس سوى مواطن يفترق عن من سواه بالعلاقة العائلية مع الرئيس. ولا تكون زوجة الرئيس سوى قرينة الرئيس وليس أم الرئيس المقبل أيضا.

كان الرئيس مبارك يعرف أن مصر تغلي في قصة التوريث، وأنها مصدر قلق عام وتضايق وتذمر ونكات ونزول إلى الشارع تحت عناوين أخرى. لكن العنوان الحقيقي كان، شكرا لك إنما لا نريد رؤية جمال مبارك من بعدك. تجاهل مبارك هذا الشعور المتزايد الغليان إلى أن وقف المصريون يهتفون ليس ضد التوريث، بل ضد البقاء. ارحل. بل ارحل الآن... ليته أصدر ذلك البيان.