هدأت (المعركة) وتوقف (إطلاق النار)

TT

صحيح أن (المنحوس منحوس حتى لو علقوا على رأسه فانوس).

دعانا رجل في الرياض لحضور مناسبة في منزله، كنا ثلاثة أشخاص فحجزنا بالطائرة من جدة الساعة (6.5)، غير أن إقلاع الطائرة تأخر ساعة ونصفا ولم نصل إلا (9.5).

استأجرنا سيارة، وحيث إننا لا نعرف المنزل إلا بعنوانه المكتوب، لهذا اتفقنا مع سائق تاكسي أن يسير أمامنا ونحن سوف نعطيه الأجرة عند وصولنا.

كنت أنا أسوق السيارة، وأخذت أتبعه أينما توجه، ولاحظت أنه اتجه إلى الطريق الدائري السريع وبدأ يبتعد عن المدينة، ويزيد في سرعته، وأنا أجاريه كذلك، ولكن بعد مدة بدأت أخاف، خصوصا أنني تجاوزت (160) كيلو، فأخذت أطفئ الأنوار وأشعلها وأؤشر له لكي يقف أو يهدئ من سرعته دون جدوى، وبدأت (اصطباته) وأنواره الخلفية الحمراء تضمحل إلى أن تلاشت، ولا شك أن سرعته قد وصلت إلى (200) كيلو، فأخذت أهدئ وأخرج عن الطريق إلى أن توقفت، وران علينا الصمت والتعجب من ذلك السائق الغامض الأهوج، فلا هو الذي أوصلنا إلى مبتغانا، ولا هو الذي حصل على أجرته، وإلى اليوم وأنا أتمنى أن أعرف سر عملته (!!).

اكتشفنا أننا سرنا خلفه ما لا يقل عن (70) كيلو، ورجعنا من طريقنا مرة ثانية، وما إن دخلنا المدينة حتى كانت الساعة (11.5)، وفي طريقنا شاهدنا أحد الفنادق، غير أنه للأسف كان ممتلئا، واقترحت عليهما أن نذهب إلى فندق المطار، وفي اليوم التالي نعود إلى جدة، وهذا هو ما حصل، وفي الساعة (11) من صباح اليوم التالي اتصل بنا صاحب الدعوة عاتبا على عدم مجيئنا، وعندما شرحنا له ما حصل، ما كان منه إلا أن يأتي لنا حالفا الأيمان الغليظة لكي نتغدى عنده، فقلت له محاولا الاعتذار: إن موعد طائرتنا هو الساعة (5) عصرا، فقال ما هي مشكلة (يمديكم)، فوافقنا وركبنا معه وبدلا من أن يذهب بنا إلى منزله ذهب بنا إلى استراحته التي هي خارج الرياض.

جلسنا على طاولة الغداء الساعة (2)، على أن نذهب للمطار الساعة (3)، وأثناء الأكل عرض علينا أن نشرب حليب (خلفات)–أي نياق–فاعتذرت أنا لأنني أعرف أن الذي يشرب منه وغير متعود عليه فهو له تأثير لا يقل عن تأثير المسهل أو الملين، غير أن رفيقيّ شرب كل واحد منهما كأسا كاملة، وما هي إلا نصف ساعة حتى أخذت المصارين تتحرك، وكان هناك سباق (ماراثوني) بينهما للظفر بالحمام.

دخل مضيفنا إلى غرفة النوم وتناهى لنا شخيره الذي يزلزل الجدران بعد أن فعل فعلته (ولا على باله)، وكلما طلبت من أحدهما أن نتحرك للمطار، أخذ يهز رأسه بالموافقة ثم يمسك بطنه فجأة وينطلق للحمام راكضا (كالكانغرو)، وعرفت أن مصيبة قد حلت بنا.

أفاق مضيفنا الساعة (4)، وتعجب أننا لم نذهب مع سائقه للحاق برحلتنا، فقلت له: عن أي رحلة أنت تتكلم؟ انظر إلى وجه رفيقيّ اللذين أصبحا بلون (الكركم) والليمونة المعصورة، كما أن مسافة الطريق إلى المطار طويلة، والسيارة ليس فيها حمام.

وفعلا كان كل واحد منهما وصل من الهزال إلى درجة أنه لا يطيق الكلام.

نمنا في استراحة الداعي، وفي صباح اليوم التالي بعد أن هدأت (المعركة) وتوقف (إطلاق النار)، ذهبنا إلى الفندق وحاسبناه، وأخذنا أول طائرة إلى جدة، ويا لها من دعوة.

[email protected]