معلم الوصولية.. لم يصل

TT

ترادف اسم نيكولو مكيافيللي مع الوصولية والأنانية في السياسة، وعرف بأنه لم يعلم شيئا سوى الانتهازية. وأهملت الناس كل نتاجه، أو بالأحرى لم تعرف عنه شيئا آخر، ولا عرفت أنها لا تعرف. لكن مبشر الوصولية عاش حياته غير قادر على الوصول إلى أي موقع. أمضى الوقت الكثير، يؤلف الشعر الساخر والمسرحيات الانتقادية. ولم يسلم من نقده أحد. وكل أعماله حملت طعم فشله ومرارته. رجل ذكي غير قادر على الوصول إلى أي هدف. وتحاشيا للسقوط في نزاع شخصي قرر أن يعمم اتهاماته: جميع الحكام قساة وبلا رحمة، وجميع الكهنة طماعون بلا ضوابط.

لكن هل بدأت الرداءة في السياسة مع نيكولو مكيافيللي في القرن السادس عشر؟ الأرجح أن كل «وصاياه» كانت استخلاصا من واقع الحياة وتجارب التاريخ. وقد عكس نتاجه، بما فيه الشعر «النواسي»، واقع عصره، وما كان سائدا في تلك الأيام. فقد كان النبلاء والأثرياء والوجهاء، غارقين عموما في معظم الهجائيات أو الإباحيات.

ذهبت كل تلك «الطقاطيق» إلى الغبار حيث تستحق. لكن «وصايا» نيكولو الانتهازية جعلت الأوروبيين يطلقون على الإيطاليين اسم «أبناء مكيافيللي». الشعب الذي يتفوق في الفن والآداب والدهاء، ويعجز عن ربح حرب واحدة، دفاعا عن بلاده.

بل يقال: إن أداء موسوليني في الحرب العالمية الثانية هو الذي أدى إلى هزيمة ألمانيا. وكان هتلر يقول إنه لو قام بالهجوم على روسيا قبل أربعة أسابيع لما خسر المعركة. لكنه كان في ذلك الوقت منهمكا في إنقاذ الجيش الإيطالي في بعض أوروبا. «الإيطاليون ساحرون»، ليس إلا. الكتب والأفلام والمسرحيات تصورهم على أنهم شعب مرح، بلا هموم، يحب الطعام والنساء واللهو. لكن إيناسيو سيلوني يقول: إن كل هذه مظاهر خارجية سببها الهرب من الحقيقة. والحقيقة أن لا خلاص هناك، ولذلك يغطي الإيطالي حزنه الحميم بالاندفاع نحو سطحيات الحياة. «التفكير في واقعه قد يؤدي به إلى الجنون أو الانتحار. وهكذا ينتهي معظم الإيطاليين رجال شرطة أو رهبانا أو إرهابيين أو أبطالا. أعتقد أنه لم يكن في التاريخ شعب في مثل هذا اليأس والحزن كالإيطاليين المرحين».

«الطريقة الإيطالية في الحياة، جميلة لكنها وقتية ولا تحل أي مشكل. بالعكس، إنها تزيد الأمور سوءا وتعقيدا. إنها سبب تآكل المؤسسات وازدراء القوانين. لا يمكن المضي في تجميل المشاكل وإغراق القضايا بالمساحيق. الإيطاليون يرون بوضوح الكارثة التالية، لكنهم، مثل رجل في كابوس، لا يستطيعون إبعادها عنهم». هكذا كتب لويجي بارزيني.