سر المعبد أو الأسرار الخفية لجماعة الإخوان

TT

عنوان المقال مشتق من عنوان كتاب الأستاذ ثروت الخرباوي «سر المعبد: الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين» الذي طبع منه اثنتي عشرة طبعة أصدرتها «دار نهضة مصر»، وفاز بجائزة معرض القاهرة للكتاب لأكثر الكتب مبيعا.

الكتاب لم يكن هو الأول من الكاتب عن الجماعة التي هجرها، وإنما هو الثاني بعد كتاب «قلب الإخوان» الذي صدر في عام 2002، والحقيقة أنه لا توجد نية هنا لإعادة عرض الكتاب، فقد قام كتاب عدة بعرضه والتعليق عليه، كما أن المؤلف نفسه لم يقصر، ولم تقصر معه محطات تلفزيونية كثيرة، في عرض ما جاء في الكتاب والاستطراد من منطلقاته، إلى التعليق على الأحداث الجارية، التي أغلبها منذ شيوع «الربيع العربي»، لا بد أن يكون الإخوان طرفا فيها، بعد أن دان لهم الحكم في أكثر من بلد عربي ساد الظن فيها أن الربيع لكي تظهر أزهاره الديمقراطية والليبرالية والمدنية لا بد أن تكون القيادة فيه لجماعات بعيدة عن «الإسلام السياسي» بعد السماء السابعة.

ولكن ذلك لم يحدث، وبدا الأمر أن الثورات أو الهبات أو الانتفاضات التي جرت في بلدان عربية عدة، جاءت لغرض واحد، وهو أن ينتهي أمر السلطة فيها إلى حكم الإخوان المسلمين. ولذلك فإن «سر المعبد» الذي شاع لم يكن فيه من الأسرار الكثير، حيث إن قصته هي القصة التقليدية الشائعة في العلوم السياسية تحت اسم الأحزاب أو التنظيمات «الكفاحية»، أي تلك التي تترابط داخليا من خلال آيديولوجيا «كفاحية»، غالبا ما تدفع أعضاءها إلى التضحية بالذات ودخول السجون، وأحيانا الموت في سبيل الدفاع عن فكرة من نوع ما، قد تكون قومية محلية، وقد تكون ذات توجه عالمي.

ولم تختلف حركة الإخوان المسلمين من حيث آلياتها وممارستها عن التنظيمات الشمولية التي شاعت خلال القرن العشرين، وحاولت الوصول إلى السلطة في أكثر من دولة، وفي الأغلب كان لها تنظيم عالمي. وربما تميزت حركة الإخوان على هؤلاء أنها لم تنتقل فقط من القرن العشرين إلى القرن الواحد وعشرين بسلاسة، وإنما استمرت ممثلة في أكثر من 80 دولة من دول العالم، وفي كل الأحوال فإنها تكيفت مع ظروف متغيرة جعلتها في تونس تختلف عنها في المغرب، وعنها في مصر، وتلك في تركيا، وإندونيسيا، وهكذا دول، حتى إن اجتهاداتها في الغرب، أو حيث يعيش المسلمون كأقلية في بلدان العالم المختلفة، كان فيها تميز واضح.

«سر المعبد» إذن لا يزال غائبا، فما سرد علينا من أسرار لا يزيد أو يقل كثيرا عما هو شائع، وربما ضروري، في التنظيمات ذات الطبيعة الكفاحية، بل إن قصة الخروج عليها والتمرد على أحكامها شائعة كثيرا في أدب التنظيمات المماثلة، ولكنها في أغلب الأحوال لا تترك أكثر من ندبات دعائية، ونادرا ما نجد في داخل هذه التنظيمات ما يدعوها - نتيجة ما نشر عنها - للمراجعة أو الانفتاح أو التطوير فيما عرفته من تقاليد وأساليب في العمل.

المسألة إذن، وطالما أن الإخوان المسلمين سوف يكونون معنا في السياسة العربية والإسلامية لسنوات مقبلة، فربما آن الأوان لأخذهم بالجدية التي يستحقونها، والتي لا تعني بالضرورة الاعتقاد فيما يعتقدون فيه، أو تبني مواقفهم السياسية، وإنما فهم المساحة الهائلة من المرونة العملية التي يتحركون من خلالها وفيها. وما علينا إلا ملاحظة مواقف الإخوان في تركيا، حيث الرغبة الشديدة في اللحاق بالاتحاد الأوروبي، مع الحفاظ على الروابط الوثيقة مع حلف الأطلنطي والولايات المتحدة في الخارج، والمبادئ «العلمانية» الصريحة في الداخل؛ ومواقف التنظيمات الإخوانية المختلفة في مصر والمغرب وتونس وفلسطين وأفغانستان والسودان، حيث تتباين المواقف وتتعدد، بل تختلف وتتناقض في أحيان كثيرة.

وربما لا تبدو المسألة صعبة الحساب فيما يتعلق بالقضايا الخارجية، حيث ضرورات التفوق الغربي والاعتماد على الدول الغربية يجعل الضرورات تبيح المحظورات، وإنما هي أكثر صعوبة في التعامل مع توجهات «الإسلام السياسي» الأخرى، سواء كانت «سلفية» أو «جهادية» أو حتى تقليدية، أو تركيبات مختلفة من كل ذلك.

هنا فإن مواقف الإخوان تتراوح ما بين محاولات الاستيعاب أو الاحتواء، وأحيانا التردد فيما يتعلق بالحركات الأصولية الشيعية التي تحظى بالإعجاب الإخواني في لحظات، والرفض في لحظات أخرى، وكلاهما (الإعجاب والرفض) يتمان وفق درجات مختلفة من الحدة والكثافة. ولا يوجد لغز في السياسات الإخوانية أكثر من ذلك المتعلق بالعلاقات مع إيران وحزب الله، حيث يبدوان أحيانا في طليعة المجاهدين، وأحيانا أخرى من لديهم نية الاختراق غير المحمود لأهل السنة والجماعة.

«سر المعبد» ليس كامنا في العلاقات الداخلية للجماعة، أو بينها وبين أعضائها، ولكنه يظل مكتوما وغائبا فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يبدو أن الإخوان لم يعطوها الاهتمام الذي تستحقه، سواء في أيام السجن أو في ساعات الحرية. ورغم أن أعضاء في جماعة الإخوان دخلوا في زمرة من يسمون برجال الأعمال، كما أن تواجدهم الكثيف في دول الخليج العربية وبعض الدول الأوروبية جعلهم يطلعون على عالم البنوك والاقتصاد العالمي بدرجات متنوعة، فإن كل ذلك لم يكن كافيا لاستيعاب التطورات التي جرت في العالم خلال الأعوام الأخيرة، ربما لأن العالم لم يعد كما كان، وتوالت عليه أزمات اقتصادية متعددة خلال الأعوام الخمس الماضية، وربما أن «العولمة» قد باتت من التعقيد والتركيب بحيث تستعصي على دول العالم المتقدمة والمنظمات المالية في الدنيا كلها، فكيف يكون الحال مع الجماعة التي عاشت تحت ظروف المطاردة والسجن؟ الحيرة الإخوانية ظهرت بوضوح حينما وصلوا إلى السلطة، فإذا بنا نواجه باضطراب بالغ، وحكى لي مسؤول خليجي بارز أنه خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة من حكم زين العابدين بن علي رئيسا لتونس لم يحدث أن طلبت تونس معونات أو مساعدات اقتصادية من دول الخليج، ولكنها بعد الثورة ووصول حزب النهضة إلى الحكم إذا بها لا يمر أسبوع إلا ويمر مسؤول تونسي يطلب العون.

لم تختلف الحالة كثيرا في دول «الربيع» الأخرى، حيث بدت الحالة الاقتصادية أبعد ما تكون عن الربيع، وظهر أن الحكمة الاقتصادية فيها من الأسرار ما يستعصي على المعابد.

لم ينفض السر إذن؛ لأن البحث جرى على جانب النميمة أكثر مما كان في لب القضية.