وشلون لو حطوا مع الصوت صورة؟!

TT

أتردد كثيرا في إيراد الإحصائيات في مقالاتي لسببين:

1) لخوفي من أن تكون تلك الإحصائيات غير صادقة، أو على الأقل مبالغا فيها.

2) لكي لا أتهم بالتزييف، أو على الأقل بالتجني.

وليس معنى ذلك أنني ما شاء الله (حقاني)، لا أبدا، ولكن الحكاية وما فيها أنني إنسان خواف، ولست جبانا.

وسوف أورد اليوم إحصائية، والذي شجعني عليها أنها صادرة من هيئة محترمة وجاء فيها:

أظهرت تقارير الاتحاد الدولي للاتصالات الأخيرة أن عدد مستخدمي الهواتف الجوالة حول العالم سيتجاوز عدد السكان الفعلي للكرة الأرضية، وذلك بحلول عام 2015، مشيرة إلى أن عدد المشتركين في خدمة الاتصالات الهاتفية الجوالة سيصل إلى 9 مليارات، في حين سيكون عدد سكان العالم فعليا آنذاك يساوي 7.5 مليار شخص فقط.

وحسب تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات الذي يقام سنويا لقياس مجتمع المعلومات، فإن عدد اشتراكات الهواتف الجوالة قد وصل إلى 6 مليارات مشترك.

وما إن قرأت هذا التقرير حتى عدت سريعا إلى أرشيفي وأخذت (أبحبش) فيه، إلى أن وصلت إلى إحصائية أميركية أخرى من الثلاثينات الميلادية وجاء فيها:

يدل آخر إحصاء لشركة التليفون والتلغراف الأميركية على أن عدد التليفونات في العالم هو 60 مليون جهاز تختص الولايات المتحدة بـ35 مليون جهاز منها.

وتحوي نيويورك أكبر عدد من الأجهزة في أي مدينة في العالم، وهو 2.485.000 جهاز، أي ما يعادل كل الأجهزة الموجودة في فرنسا.

وبما أنه ورد اسم فرنسا، فأزعم أنني كنت أتردد على باريس سنويا منذ السبعينات، ولا أنسى (طوابير) المتقاطير على كبائن التليفونات العمومية في الشوارع في عز البرد شتاء، وتحت صهد الشمس صيفا، وما أكثر ما وقفت مع الواقفين أنتظر دوري، لكي أقول كلمتين فقط لا غير، الأولى: كيف الحال، والثانية: يا حياتي، أو يا تقبريني.

وفي هذه السنة مررت على تلك الكبائن الخاوية التي تعشش فيها العناكب، وليس هناك من يتطلع لها أو حتى يترحم عليها، وكأنها لم تسعف أحدا يوما، ولم تبث لواعج العشاق.

رحم الله مخترع التليفون (غراهام بيل) عندما كان يجري تجاربه التي كان لها الفتح العظيم، وأصبحت كلمته التي تفوه بها خالدة في عام 1876، وذلك عندما صاح كالمجنون بمساعده قائلا: واتسون، أحضر إلى هنا بسرعة، إنني أسمعك. العالم يا واتسون أصبح يقترب من بعضه بعضا.

وأمد الله في عمر فاتن حمامة وشادية عندما غنتا لوالدهما بالتليفون في أحد أفلامهما في ذلك الزمن الجميل قائلتين: ألو ألو إحنا هنا، ونجحنا أهو بالمدرسة.

وإن نسيت فلا يمكن أن أنسى وأترحم على رجل سابق لعصره، في أوائل السبعينات عندما كنت جالسا بجانبه الكتف للكتف وهو يتحدث مع إحداهن بالتليفون الأرضي الثابت، وبعد أن أنهى المكالمة أخذ يتنهد ثم أخذ ورقة وكتب بها بيت الشعر هذا الذي ما زلت أحفظه عن ظهر قلبي وهو:

يا زين صوتك لا عبر بين الأسلاك

وشلون لو حطوا مع الصوت صورة؟!

والآن يا عزيزي القارئ أصبحت الصورة المتحركة تصلك، ولا ينقص إلا أن تتجسد، فانتظر قليلا ولا تتعجل، وثق تماما أنك سوف تلمسها بأصابعك، وتستنشق حتى أنفاسها.

[email protected]