الهند مقابل الصين ومصر

TT

من الصعب أن تفلت من زيارة للهند دون أن يطلب منك شخص ما مقارنتها بالصين. لم تكن هذه الزيارة استثناء لهذه القاعدة، لكنني أعتقد أننا سنصل إلى مزيد من الحقائق، إذا ما قمنا بتوسيع مداركنا وعقدنا مقارنة بين الهند والصين ومصر.

لدى الهند حكومة مركزية واهنة، ولكن لديها مجتمع مدني قوي بحق، يزخر بالانتخابات والرابطات والاتحادات على جميع المستويات. أما الصين، فلديها حكومة مركزية مفتولة العضلات ومجتمع مدني ضعيف، ولكنه يكافح جاهدا للتعبير عن نفسه بصورة أكبر. أما عن مصر، فللأسف، لديها حكومة واهنة ومجتمع مدني في أشد مستويات الضعف، تجرع ويلات القمع على مدار 50 عاما، وحرم من انتخابات حقيقية، ومن ثم، أصبح فريسة سهلة لتحويل مسار ثورته من قبل جماعة واحدة لديها إمكانات التنظيم، وهي جماعة الإخوان المسلمين، إلى المساحة الوحيدة، ألا وهي المسجد.

غير أن ثمة عنصرا واحدا مشتركا بين الدول الثلاث، ألا وهو وجود أعداد هائلة من الشباب دون سن الثلاثين، الذين تزداد قدراتهم على التواصل بفعل التكنولوجيا الحديثة، لكنهم متفاوتون جدا في المستوى التعليمي.

وفقا لرؤيتي، فإن الدولة التي ستحقق أعلى مستوى من الازدهار في القرن الحادي والعشرين، هي تلك التي ستنجح إلى أقصى مدى في تحويل الأعداد الهائلة من الشباب فيها إلى «ربح ديموغرافي» يستمر في تحقيق مكاسب كل عقد، وليس «قنبلة ديموغرافية» تستمر في الانفجار كل عقد. سيكون هذا بمثابة المجتمع الذي يزود المزيد من شبابه بالتعليم وفرص العمل، وإمكانية التعبير التي يسعون إليها من أجل استغلال إمكاناتهم كافة.

ويتعلق هذا السباق بـ«ماهية من بمقدوره أن يكون مصدر تمكين وإلهام لمزيد من الشباب للمساعدة في تحقيق رخاء مجتمعي شامل»، بحسب دوف سيدمان، مؤلف كتاب «كيف؟» والرئيس التنفيذي لشركة «إل آر إن»، التي لها مركز عمليات في الهند.

ويضيف: «إن المسؤولية الملقاة على كاهل القادة والآباء والمعلمين هي تهيئة بيئات يمكن أن يكون الشباب فيها في حالة بحث، ليس فقط عن وظيفة، بل عن سيرة مهنية - عن حياة أفضل لا تتخطى، بل تتجاوز بمسافة بعيدة تلك التي عاشها آباؤهم». وأشار إلى أن الدول التي تعجز عن تحقيق ذلك سوف تملك عددا هائلا من الشباب ليسوا عاطلين عن العمل فحسب، بل أيضا غير صالحين للتوظيف أو العمل. ويقول: «سوف يكونون منفصلين في عالم متصل، ويائسين في ظل مشاهدتهم آخرين ينمون إمكاناتهم وحب استطلاعهم ويوظفونهما».

إذا كانت لدى بلدك حكومة قوية أو مجتمع مدني قوي، فستكون لديها القدرة على الارتقاء لمستوى هذا التحدي. أما إذا كانت تفتقر إليهما، فسوف تعاني مشكلات حقيقية، ولهذا، تشق مصر طريقها بصعوبة.

تلعب الصين دورا قياديا في تزويد الأعداد الضخمة من شبابها بالتعليم والبنية التحتية والوظائف، ولكنها متأخرة في إطلاق العنان للحرية وحب الاستطلاع.

تعتبر الهند هي أكثر الأمثلة المثيرة للاهتمام – إذا ما أمكنها السيطرة على نظام الحكم والفساد فيها. يعتبر السعي للحراك الاجتماعي الصاعد، خاصة بين النساء والفتيات، ملموسا. شاركت في حفل التخرج بمعهد الطاقة والموارد الهندي الأسبوع الماضي، ومن بين الاثنتي عشرة جائزة الممنوحة لأعلى الطلاب مستوى، ذهبت 11 جائزة للنساء.

يشرح شاشي ثارور وزير الدولة لتنمية الموارد البشرية قائلا: «لدى الهند اليوم 560 مليون شاب تحت سن 25، و225 مليونا ما بين سن 10 أعوام و19 عاما». ويضيف: «من ثم، فخلال فترة الأربعين عاما المقبلة، يجب أن يكون لدينا قطاع من السكان الشباب في سن العمل»، في وقت يزداد فيه عدد السكان كبار السن في الصين والعالم الصناعي الأوسع نطاقا.

بحسب ثارور، يبلغ متوسط العمر في الصين اليوم نحو 38 عاما، بينما في الهند يبلغ نحو 28 عاما. وفي خلال عشرين عاما، سوف يزداد اتساع تلك الفجوة، ومن ثم، قد يمثل هذا «ربحا ديموغرافيا» ضخما، «شريطة أن نتمكن من تعليم شبابنا – توفير تدريب مهني للبعض، وتعليم جامعي للبعض الآخر لتسليحهم من أجل الاستفادة مما يوفره الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين»، بحسب ثارور.

ويضيف: «إذا قمنا بهذا على الوجه الصحيح، فستصبح الهند هي عماد العالم. أما إذا لم نقم بالمهمة على النحو الصحيح، فلن يكون ثمة شيء أسوأ من شباب (غير صالح للعمل ومحبط)».

في واقع الأمر، يتحول بعض الشباب الناقم في الهند إلى الماوية في المناطق الحضرية. يقول ثارور: «لدينا ماويون بين قطاعات شعبنا القبلية، ممن لم يستفيدوا من فرص الهند الحديثة». كانت هناك حوادث ماوية عنيفة في 165 من بين إجمالي 625 منطقة في السنوات الأخيرة؛ إذ يستغل الماويون هؤلاء الذين يخرجون من نطاق «الحلم الهندي»، ومن ثم، فإن هناك اتجاها قويا هنا الآن لجذب الأطفال الفقراء إلى المدرسة.

تدير الهند أكبر برنامج لوجبات منتصف النهار في العالم، تقدم من خلاله 250 مليون وجبة مجانية يوميا، علاوة على ذلك، فقد ضاعفت عدد معاهد التكنولوجيا الهندية من 8 معاهد إلى 16 معهدا، وتخطط لافتتاح 14 جامعة جديدة للابتكارات والأبحاث.

لكن كل هذا سيكون عديم الفائدة من دون نظام حكم أفضل، في رأي غورشاران داس المدير التنفيذي لشركة «بروكتر آند غامبل» بالهند الذي يعد أحدث كتبه هو «الهند تنمو ليلا: نموذج ليبرالي لدولة قوية»: «إن نموذج الهند الطموح لا يجد من يصوت عليه؛ نظرا لأنه لا أحد يتحدث بلغة الصالح العام. لماذا يتطلب منا الأمر 15 عاما لتطبيق العدالة في المحاكم أو 12 عاما من أجل إنشاء طريق؟ إن الفجوة بين طموحات الشباب وأداء الحكومة ضخمة. نظريتي هي أن الهند قد صعدت برغم كل الصعوبات التي تواجهها الدولة. إنها قصة فشل على المستوى العام، ونجاح على المستوى الخاص».

وهذا ما يعنيه داس بنمو الهند ليلا بينما تنام الحكومة، يقول: «لكن ينبغي أن تتعلم الهند النمو أثناء النهار. إذا ما أصلحت الهند نظام حكمها قبل أن تعالج الصين سياساتها، ستكون هي الفائزة. إنك تحتاج إلى دولة ومجتمع قويين، بحيث يتسنى للمجتمع تحميل المسؤولية للدولة. لن تتمتع الهند بدولة قوية إلا حينما يكون بوسع خيرة أفراد المجتمع الانضمام للحكومة، ولن تنعم الصين بمجتمع قوي إلا عندما يقتحم خيرة أفراد النخبة المثقفة القطاع الخاص».

* خدمة «نيويورك تايمز»