عندما عثرت على أقدام الملكة

TT

كان للكشف عن مومياء ملكة من أقدم ملكات التاريخ المصري القديم قصة مثيرة؛ خاصة وهي أم ملك من ملوك مصر الذين حكموا البلاد مع بداية الأسرة السادسة من أسرات الدولة القديمة منذ 4400 سنة تقريبا.. والشيء المؤكد بعد عملي بالحفائر الأثرية على مدار أكثر من أربعين سنه هو أن الأثري الجيد يجب أن يتمتع فضلا عن مهارات الحفر والاستكشاف بما يعرف بالحاسة السادسة وهي الخاصة بالتوقع والاستنتاج والاستدلال؛ والتي من دونها تصبح فرص أي أثري ضئيلة جدا في تحقيق اكتشافات مهمة ومثيرة. وقد بدأت قصة هذا الكشف في منطقة سقارة الأثرية، حيث كنت أقوم بأعمال الحفائر العلمية حول هرم الملك تتي وذلك في عام 1188 وكشفت عن آثار مهمة جدا منها مقبرة الأمير الوراثي للملك تتي ويسمى تتي عنخ كم أي تتي - عنخ الأسود، ولم يكن معروفا في التاريخ المصري القديم من قبل، كما قمت بإعادة الكشف عن هرم الملكة خويت وهي الزوجة الرئيسية للملك تتي وكانت مجموعتها الهرمية قد تم الكشف عنها جزئيا وبشكل غير علمي على يد البعثة الإنجليزية في بداية القرن العشرين. وما زلت أذكر ذلك اليوم المشمس الذي أخذت فيه محمد مصيلحي سائق لودر الآثار والذي كان يعمل معي بسقارة ومهمته كانت نقل الرديم ومخلفات الحفائر القديمة من المنطقة الأثرية بعد الانتهاء من فحصها والتأكد من خلوها من أي آثار أو شواهد أثرية تركها علماء الآثار الأوائل، وطلبت من مصيلحي نقل تل من الرديم بارتفاع ستة أمتار وخلال عدة أسابيع استطاع إزالة هذه الرمال؛ وكانت المفاجأة وجود هرم مختف أسفل الرمال بارتفاع خمسة أمتار من أصل 81 مترا هو الارتفاع الأصلي للهرم ومدخله يقع في منتصف واجهته الشمالية ومغلق بمتاريس ضخمة من حجر الجرانيت الوردي الصلد والذي أحضره الفراعنة من محاجر أسوان على بعد 844 كم من سقارة. ولم يكن من اليسير رفع أحجار المتاريس التي تسد مدخل الهرم والتي تأكدنا أن اللصوص في العصور الفرعونية القديمة قد حاولوا أيضا الدخول إلى حجرة الدفن عبر هذا المدخل ولكن المتاريس تصدت لهم ومنعتهم؛ ولذلك لم يكن أمامهم سوى أن يقوموا بحفر بئر عمودي على سقف حجرة الدفن ومن خلاله قاموا بالوصول إلى مدفن الملكة عبر السقف وقاموا بسرقة كنوزها، وعندما حاولوا أيضا فتح تابوت الملكة المقطوع من الجرانيت الوردي فشلوا كذلك ولم يكن أمامهم سوى عمل فتحة صغيرة بين غطاء التابوت وصندوقه يسمح بنهب ما على مومياء الملكة من كنوز وجواهر من حلى وتمائم.

وبعد أن وصلنا إلى حجرة دفن الملكة جاء الريس أحمد الكريتي شفاه الله لكي يقوم بعملية فتح التابوت بنفس أسلوب وأدوات المعماري المصري القديم وقام هو ونفر قليل من العمال المهرة المدربين بتحريك الغطاء وبدأت عملي في الكشف عما بقي داخل التابوت وكانت المفاجأة السارة العثور على بعض الحلي التي كانت تزين مومياء الملكة وعلى معظم بقايا موميائها خاصة أقدام الملكة وبحالة حفظ جيدة؛ لنعلن للعالم الكشف عن أقدم مومياء لملكة فرعونية وعن هرم جديد لم يكن معروفا من قبل. أما عن اسم الملكة صاحبة الهرم والمومياء فلا يزال لغزا وسرا من أسرار الحضارة المصرية القديمة. ونكاد نجزم أن المرأة الملكية الوحيدة التي لم يعثر عليها من عصر الملك تتي هي أمه الملكة ورت، حيث إن هرمي زوجتيه الملكة خويت والملكة إيبوت تم الكشف عنهما ومعروفان ولذلك فمن المرجح أن تكون المومياء المكتشفة هي لأم الملك تتي إلا إذا كانت للملك زوجة ثالثة لا يعرفها التاريخ وهو احتمال ضئيل. ونحتاج إلى دراسة بقايا المومياء بالتقنيات العلمية الحديثة لتحديد السن الذي سيكون الفيصل في تحديد هوية المومياء، ونحتاج كذلك إلى الصبر وانتظار ما ستكشف عنه رمال سقارة في المستقبل من مفاجآت وأسرار..