رئيس الفرص المضيعة

TT

بمناسبة انتخاب باراك أوباما لولاية ثانية في البيت الأبيض، تساءلت وسائل إعلام غربية: كيف سينظر التاريخ إلى أول رئيس أميركي من جذور أفريقية؟

من المبكر، طبعا، تقويم الإرث «التاريخي» للرئيس أوباما وولايته الثانية ما زالت في مطلعها. ولكن إن صح اعتماد الولاية الأولى مؤشرا للثانية لجاز القول إن باراك أوباما هو سيد اللعبة السياسية في الداخل.. وسيد الفرص المضيعة في الخارج.

على الصعيد الداخلي - ورغم وجود كونغرس غير متعاطف معه ومحكمة عليا معروفة باتجاهاتها المحافظة - حقق أوباما أبرز نجاحاته السياسية بتمرير قانون الضمان الاجتماعي. وقد لا يكون من المبالغة القول إن هذا الإنجاز «الشعبي» كان عاملا مؤثرا في إعادة أوباما إلى البيت الأبيض بحكم شموله نحو 32 مليون أميركي يعتبرون ناخبين متعاطفين مع أوباما بحكم كون معظمهم من الملونين والمتحدرين من أصول إسبانية.

أما على الصعيد الخارجي، وباستثناء «تصفية» أسامة بن لادن - لأنه، بالمناسبة يشكل أيضا خطرا «داخليا» على الولايات المتحدة - فيظهر سجل أوباما الرئاسي أنه رئيس «داخلي» أكثر منه «دوليا»، رغم كل النيات الحسنة التي أبداها حيال العالمين العربي والإسلامي في خطاب جامعة القاهرة الشهير عام 2009.

وبالفعل لا تزال الشؤون الأميركية الداخلية، من اقتصادية ومالية، على رأس أولويات ولايته الثانية خلافا لما أملت به عواصم عربية من عودته إلى الاهتمام المباشر بأزمات الشرق الأوسط، سواء على صعيد النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي أو الثورة السورية.

سجل الرئاسات الأميركية لا يثبت المقولة، الرائجة عربيا، بأن الرئيس المعاد انتخابه يكون عادة أكثر انعتاقا من الضغوط الإسرائيلية في ولايته الثانية، فسيف الكونغرس المسلط على قراراته عائق هائل يصعب على أي رئيس تجاوزه بسهولة.

ولكن ما تداولته وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخرا عن تحذير الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات «شن بيت»، يعقوب بيري، من نشوب انتفاضة فلسطينية ثالثة ما لم تعمد حكومة إسرائيل المقبلة إلى تحريك مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، قد يضطر «أوباما الثاني» إلى التعامل مع النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي على أساس أنه المشكلة الأم في المنطقة، إن لم يكن من منطلق «العود على بدء»، فعلى الأقل من منطلق القلق على «أمن» إسرائيل، خصوصا أن أي انتفاضة فلسطينية ثالثة لن تكون بمعزل عن «تدخل» القوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة.

على هذا الصعيد تسمح ثلاثة عوامل متفاوتة الأهمية بتغذية آمال متواضعة باحتمال عودة الإدارة الأميركية إلى لعب دور نشط في الشرق الأوسط:

1) النكسة الانتخابية التي مني بها نتنياهو والصقور بعد أن قلصت الانتخابات عدد نوابهم من 41 نائبا إلى 31، مما يؤسس لواقع برلماني وسياسي لا يبدو أنه كان غائبا عن حسابات نتنياهو لدى تأكيده لوزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري (في أعقاب الانتخابات) أن حكومته الجديدة ستكون «ملتزمة» بالسلام.

2) «الكيمياء» المفقودة في العلاقة الشخصية بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وبنيامين نتنياهو والتي تتيح للرئيس أوباما «رد الجميل» لنتنياهو، الذي أيد ضمنا منافسه ميت رومني في الانتخابات الرئاسية، عبر طرح مبادرة سلام جديدة يترسمل فيها على تراجع وضع نتنياهو السياسي.

3) تسلم جون كيري وزارة خارجية «الولاية الثانية». والمعروف عن كيري منذ أن كان عضوا في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي ومن ثم مبعوث أوباما الشخصي إلى «المناطق الحارة» في العالم، أنه لا يتوانى عن التعامل المباشر مع الأزمات الدولية في حال استنفاد الوسائل الدبلوماسية لحلها.

تأكيد كيري في أول مؤتمر صحافي له كوزير للخارجية الأميركية أن واشنطن «تجري الآن تقييما للوضع في سوريا» يسمح بتوقع تبدل محتمل في أسلوب التعامل الأميركي مع الثورة السورية.

من المعروف عن جون كيري أنه كان من أوائل السياسيين الأميركيين الذين نادوا بفرض حظر جوي في ليبيا لمساعدة الثوار، ومن أوائل من دعوا واشنطن إلى التخلي عن نظام حسني مبارك في مصر. وقبل فترة وجيزة من تسلمه حقيبة الخارجية طالب كيري بمد المعارضة السورية بالسلاح، الأمر الذي رفضه الرئيس أوباما آنذاك.

أوساط كيري في واشنطن لا تخفي تطلعه، كوزير للخارجية الأميركية، إلى تحقيق «إنجازات» خارجية.

يبقى أن يسمح الرئيس أوباما لكيري «الوزير» أن يحافظ على مواقف كيري «عضو لجنة الشؤون الخارجية» السابق في مجلس الشيوخ، فلا يصبح تسليمه حقيبة الخارجية فرصة أخرى يضيعها أوباما.