كوريا.. وبس!

TT

في عصر باتت الحروب «الكبرى» فيه مسألة شبه مستحيلة، تتغير وسائل التحكم بالشعوب الأخرى بشكل كبير، وتبقى وسائل القيام بذلك نتاج الابتكار والحلول غير التقليدية طبعا. إحدى أهم وسائل تحقيق ذلك هي الاقتصاد ولا شك.. تستمر كوريا الجنوبية في إبهار العالم وهي تحقق النجاح تلو النجاح بتميز وتألق غير عادي.

كوريا الجنوبية التي كانت في يوم من الأيام في التاريخ غير البعيد مثالا للدول الفاشلة والعالة على المجتمع الدولي وتعاني مر المعاناة من الديكتاتورية العسكرية والفساد الاقتصادي و«العقد النفسية» جراء الاحتلال الياباني لها، وكذلك تقسيم البلاد بينها وبين الجزء الشمالي المسلوب من نظام حكم شمولي وشيوعي، تحولت اليوم بشكل مدهش ومذهل إلى إحدى أهم قصص النجاح الاقتصادي، وأصبحت من تروس محركات التنمية الدولية، وباتت شركاتها من رموز التألق وأيقونات النجاح. فلا يمكن إغفال وجود علامتي «سامسونغ» و«إل جي» في منازل الناس حول العالم من ثلاجات وأفران وغسالات وتلفزيونات، وكذلك طبعا أجهزة الهواتف الجوالة ومعدات المكاتب، ونفس الأمر يمكن أن يقال على شركتي «هيونداي» و«كيا» الناجحتين في عالم السيارات بشكل مدهش واستثنائي حول العالم. وطبعا لا يمكن إغفال نجاح كوريا الهائل في قطاعات غير تقليدية ولكنها مؤثرة جدا مثل بناء السفن وبناء المفاعلات النووية وبناء الموانئ وأعمال المقاولات الكبرى المعقدة بشكل عام.

كوريا تحصد الآن نتائج تخطيط دقيق ومدروس بعناية شديدة جدا شمل برنامجا تعليميا شاملا وتنافسيا يضاهي ما تقدمه مناهج الدول الصناعية بل يتفوق ويتميز عليها كثيرا.. بل بات هذا البرنامج مصدر إلهام لدول مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا، وكذلك طورت كوريا كثيرا بنيتها التحتية لتكون إحدى أكثر الدول في العالم «ذكاء» لتصير خدماتها الإلكترونية الأهم ويكون شعبها الأكثر تواصلا على شبكة الإنترنت العنكبوتية.

ومع تألق كوريا زاد طموحها لإثبات الوجود بشكل أكثر فعالية، فاستضافت الألعاب الأولمبية بنجاح عظيم، ومن بعدها استضافت كأس العالم لكرة القدم (مشاركة مع اليابان)، وكذلك الأمر كانت أيضا المناسبة ناجحة جدا وزادت ثقة كوريا بشكل أوضح وبدأت في التخلص التدريجي من عقدة اليابان (التي كانت تقلدها في كل شيء حتى نظام شركاتها العملاقة في كوريا المسمى بـ«الشايبول» هو نسخة من نظام الشركات اليابانية المسمى بـ«السوجاشوشا»).

واهتمت كوريا بتطوير قواها الناعمة، فاهتمت باستقطاب العالم لزيارتها وباتت وجهة سياحية معتبرة في آسيا، وذلك للتسوق والتزلج والبحر بطبيعتها المميزة وبدأت شهرتها في ازدياد وأخذت تروج لثقافتها بمطاعمها وموسيقاها وكتبها، وها هي إحدى الأغاني الكورية «غاغنم ستايل» للمطرب الكوري ساي تصبح الأكثر نجاحا ومشاهدة على موقع «يوتيوب» في التاريخ، وما يقال عن الموسيقى الكورية يقال أيضا على السينما الكورية التي أصبحت منتشرة جدا وباتت سيول الموقع الهوليوودي لسينما جنوب شرقي آسيا، وصار نجوم السينما الكورية الأهم في هذا الجزء من القارة الهندية.

تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ الإعلانات الصحافية وأتابع الحملات الدعائية عن موجة المسلسلات القادمة التي ستعرض على محطة «إم بي سي»، وهي مسلسلات كورية! وذلك بعد تجربة المسلسلات التركية والإيرانية والمكسيكية. إنها العولمة الكورية الجديدة. دولة صغيرة حجما عانت مر المعاناة من تبعات الحرب العالمية الثانية وانشقاق البلد إلى جزأين واستنفار وحالة حرب مستمرة في شمالها، ومع ذلك تخطت كل تلك المشاكل لتصبح قصة النجاح الأكثر إبهارا.

واليوم يتبوأ أحد أبنائها، بان كي مون، رئاسة الأمم المتحدة، في شهادة أن العصر الكوري المميز قد وصل.

[email protected]