الحب في العراق

TT

طاب لعراقيين أن متاجر وشوارع في عاصمتهم بغداد تزينت بالورود وبقلوب الشوكولاته الشهية وبالهدايا. نبضت شوارع الكرادة والمنصور وفلسطين باللون الأحمر ليس بصفته لونا لدماء عراقية كثيرة أريقت في تلك الشوارع نفسها، بل لكون الأحمر لونا للورود الضاجة بالحياة وبالحب. تبادل عراقيون وعراقيات التهاني بخجل غير المصدق أنه يرتكب فعل الحب هذا، وتفاءل مجتمع «فيس بوك» العراقي بخاطرة تداعب مخيلة كثر في أن تستعيد بغداد وجها مدنيا كان قد ذوى بفعل حكام بغداد الذين تعاقبوا عليها وعاقبوها وحولها من استجد من هؤلاء الحكام إلى مجالس عزاء بالكاد تتوقف..

بغداد احتفلت بعيد الحب..

أليس هذا بخبر!!

لم يسبق للعاصمة العراقية أن أشهرت احتفاء بيوم كهذا كما فعلت هذا العام، حتى كاد يطغى اهتمام الإعلام بخبر عيد الحب على المظاهرات الأنبارية ضد الحكومة التي أعلن منظموها نيتهم الانتقال إلى بغداد لكن ما لبثوا أن أجلوا الانتقال لموعد آخر..

لكن، هل لمسحة احتفاء عابر بالحب أن تعيد رومانسية مفقودة منذ عقود في العراق الذي انطبع تاريخه الحديث بأقسى الديكتاتوريات ويدخل اليوم على خط الثورات من باب خاص..

أدرك المحتفون بعيد الحب أنهم يخادعون أنفسهم أو أنهم يهذون هذيان المريض الذي لم يفقد وعيه تماما ويدرك صعوبة شفائه لكنه لا يفقد الأمل. فسحابة عيد الحب العراقي مرت سريعا وعلى نفس صفحات التواصل الاجتماعي التي احتفى أصحابها بخواطر الود نجد كلاما كثيرا عن ثورة الأنباريين والزحف المقبل إلى بغداد.

ولبغداد حكاياتها لكن هذه الحكايات تبدو اليوم على هامش انقسام عراقي جوهري، فالحكومة الطائفية والانتفاضة الطائفية عليها حولتا محتوى المواطنة الذي من المفترض أن يعبق بورود المحتفلين بالحب في بغداد إلى نزاع أفقي استعان كل طرف فيه بتقنيات المواجهة التي أفرزتها الانتفاضات العربية. فيبدو الناشطون الأنباريون على «فيس بوك» و«تويتر» في نزاع مع الحكومة من جهة ومع متصدري انتفاضتهم من شيوخ وعشائر وأئمة مساجد من جهة أخرى. وتعكس حيرتهم هذه شعارات رفعوها في عدد من المظاهرات يصرون فيها على المحتوى المدني لحراكهم فيما يبدو أن لشيوخ العشائر النافذين في التظاهر الاحتجاجي أجندات أخرى.

فشعارات الانتفاضة في الأنبار تطلب من الحكومة ما هي متهمة به. فبدلا من الوجه الشيعي للدولة هناك مطالبة بشراكة سنية. فهناك من اقترح أن يكون هناك اقتسام زمني بين الشيعة والسنة في المناسبات الدينية. يوم للشيعة ويوم للسنة على نحو ما طالب به بعض شيوخ العشائر الذين نادوا بأن تخصص الدولة حماية ودعما لمسيرات دينية إلى بعض المقامات السنية على غرار ما تفعل في أيام خاصة بالشيعة.

لكن من ينادى بتلك المطالب من بعض الناشطين يغيب عنه أن الثورة لا تستقيم قيما ومعاني إلا إذا انتقل رافعو شعاراتها من المطالبة بشراكة طائفية إلى المطالبة بمواطنة كاملة من خارج هذه القسمة.

كل عيد حب والعراق بخير..

diana@ asharqalawsat.com