إدمان البوتوكس

TT

لأول مرة أقرأ هذا التعبير «إدمان البوتوكس».. وهو مادة صارت تستخدم عن طريق حقن الوجه أو دهانه من أجل الحصول على بشرة لامعة بلا تجاعيد.. الإدمان للكحول أو المخدرات أو حتى البنزين شيء كثيرا ما نتابعه في الصحف والفضائيات، ومن فرط تكراره لم يعد يثير دهشة أحد، لكن «البوتوكس».. تبدو هذه أحدث صيحة في عالم الإدمان!!

قرأت أن الممثلة داني مينوغ، شقيقة المطربة العالمية كايلي مينوغ، صارت مدمنة لتلك المادة. الإدمان انتقل إلى عدد من سيدات المجتمع، وليس فقط نجمات السينما والتلفزيون، بل إن الأمر لم يعد فقط نسائيا، حيث إن عددا من الرجال انضموا لحزب «البوتوكسيين»، لكننا نلاحظه بالطبع أكثر على وجوه المشاهير. شاهدت مؤخرا مذيعة تلفزيونية كبيرة تؤكد في حديثها أنها لا تخشى مرور السنوات، وتسعد بأن توصف بأنها أم وجدة، ثم لاحظت وجها مشدودا «على سنجة عشرة» كما يقولون بالعامية المصرية، وكأنها تنافس بشرة حفيدتها، مما أفقد ملامح وجهها التعبير. هذه المذيعة كانت قبل 30 عاما صاحبة أجمل وجه عرفته الشاشة الصغيرة في العالم العربي، والزمن قد يخصم جمالا من الوجوه، لكنه من الممكن أن يضيف سحرا للروح، إلا أنها لا تزال تعتقد أن زحف السنين من الممكن إيقاف عقاربه.

شاهدت مثلا تلك النجمة الكبيرة، التي لا تكف عن الدخول في معارك إعلامية تؤكد من خلالها أنها قدمت أعظم المسلسلات وأهم الأفلام، لا تزال تعتقد أنها النجمة الأولى والأخيرة، ولم تدرك أن الأمر لم يعد متعلقا بموهبتها، فهل هي قادرة على فن الأداء أم لا؟ ملامح وجهها صارت تخونها أمام الكاميرا، ولم يتبق سوى وجه ثابت التعبير.. الممثل وجه وعينان يجب أن تنطق بالإحساس الذي يعتمل بداخله حتى نصدقه.. عندما يفقد الوجه تعبيراته يحيل الفنان إلى دمية من البلاستيك.. ما الذي يتبقى بعد ذلك من أسلحة في التعبير؟.. كيف ينتقل الممثل من موقف إلى آخر بينما تخذله دائما عضلات وجهه الثابتة؟.. هل يستطيع الإنسان أن يخدع الناس بوجه لامع دائما، أم أن هناك هارمونية ستظل مفقودة بين الداخل والخارج؟.. نحن لا نكتشف أننا كبرنا من خلال تجاعيد الوجه وبياض الشعر فقط، لدينا ساعة بيولوجية تدق في أعماقنا معلنة أن الأيام تمضي ولن تعود. لجبران خليل جبران توصيف عميق بقدر ما هو موحٍ ودقيق، يقول إن «الماس هو رأي الزمن في الفحم.. يكمن الفحم في أعماق الصخور، وعندما تمر أحقاب نراه وقد صار ماسا»، هكذا مشاعر الفنان يحيلها الزمن إلى قوة تعبيرية لا تقدر حتى بالماس!!

قبل رحيل الفنانة القديرة أمينة رزق (90 عاما) شاهدتها على مسرح «الهناجر» في القاهرة، وهو ساحة مخصصة عادة للتجارب الجديدة. كانت أمينة رزق تؤدي دورها في مسرحية «شهرزاد».. لم أر تجاعيد، لكن أحاسيسها هي التي أطلت على المسرح وظلت حتى الآن ساكنة في ذاكرتي. النجمات العالميات أمثال ميريل ستريب، شارون ستون، جوليا روبرتس يقفن أمام الكاميرا بوجه خال تماما من البوتوكس. نيكول كيدمان أعلنت مؤخرا عن ندمها لأنها في مرحلة ما استخدمت البوتوكس!!

الزمن يحيل الفحم إلى ماس، والبوتوكس يعيد الماس إلى مرحلة الفحم.. فلماذا يصر البعض على أن يشتري التبن بالتبر؟!

ويبقي أن هناك بوتوكس آخر أشد خطورة ووصل إلى حد الإدمان.. إنه تلك التصريحات الخادعة التي صار يكررها أغلب الزعماء في عالمنا العربي عندما يعلنون إيمانهم بحرية الرأي والتظاهر السلمي.. كلمات براقة لامعة مشدودة وكأنها أدمنت تعاطي تلك الحقن، بينما عقولهم تفضحهم لأنها لا تزال تنضح بتجاعيد الديكتاتورية!!