اللي ما يعرفك يجهلك

TT

بعد الحرب العالمية الأولى كان هناك نادٍ ليلي في لندن اسمه (البيفتك)، ومن تقاليد ذلك النادي الغريبة أن كل الذين يخدمون فيه يعرفون باسم شارل.

الغرابة الحقيقية ليست هذه، ولكنها في ما حدث في ذلك المكان بالذات، فقد اشتبه البوليس في هذا النادي، إذا لاحظ أنه في كل ليلة تقريبا كان يخرج منه رجال مسنون، يرتدون الثياب الفاخرة في حال من النشوة أقل ما يقال فيها أنها تدعو إلى الشك.

فجزمت أن هناك أعمالا مريبة تجري في هذا النادي، فهاجمته في إحدى الليالي، فاتجهت إلى الأشخاص الأربعة المتحلقين حول الطاولة، وطلب منهم الضابط أن يعرفوا بشخصياتهم، فصرح الأول أنه وزير الاقتصاد، والثاني بأنه وزير المستعمرات، والثالث بأنه حاكم مصرف إنجلترا.

وهنا استدار الضابط نحو الرجل الرابع وقال له وهو يبتسم بسخرية: أظنك سوف تقول لي بأنك رئيس الوزراء؟!

فأجابه بهدوء: في الواقع إنني هو فعلا، فأنا (آرثر بلفور).

لم يصدقهم الضابط في البداية وكاد يعتقلهم ظنا منه أنهم مجرد عواجيز سكارى يخدمون مصالح أجنبية، لولا أن حضر مدير النادي وبعض الزبائن وشهدوا لهم وأخرجوهم من ذلك الموقف المحرج.

وصدق من قال: اللي ما يعرفك يجهلك.

(وأسخم) من موقف هؤلاء الوزراء مع رئيسهم هو ما حصل لمستر (ماثيوز) عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية فلوريدا، الذي تحدث عنه قائلا: بعد انتخابي لعضوية الكونغرس الأميركي، اضطررت إلى القيام برحلة عاجلة إلى بلدتي بالقطار، ولم ألاحظ لأول وهلة رفقائي في السفر، ولكنني لم ألبث أن لاحظت تدريجيا أنني ركبت عربة خاصة مليئة بمرضى في طريقهم إلى مستشفى الأمراض العقلية.

ونهضت من مقعدي، وبدأت طريقي نحو الباب، ثم توقفت عندما رأيت حارسا يدخل العربة ويبدأ في إحصاء من فيها، وظننت أن من السهل أن أشرح له غلطتي، وعندما اقترب مني، كان يعد: «واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة». وعندئذ قاطعته قائلا: إنني مستر ماثيوز عضو الكونغرس عن ولاية فلوريدا.

وترددت إصبع الحارس برهة قصيرة، ثم ابتسم وأشار بإصبعه نحوي مستمرا في العدد: «ثمانية، تسعة، عشرة»... إلخ.

ويمضي قائلا: حاولت أن أعطيه إثبات شخصيتي غير أنه رفض أن يطلع عليها على أساس أنني مجنون، وعندما رفعت صوتي عليه تأكد له ذلك، فما كان منه إلا أن يضع القيد بيدي، واتصل بالتليفون، وما إن توقف القطار حتى دخل علينا رجال المستشفى وقادونا إليه، وجلست فيه يوما كاملا وهم يجرون اختبارات على قواي العقلية.

وكل هؤلاء أفضل حظا من أحد المسؤولين في إحدى المدن الصغيرة بالسعودية في الستينات الميلادية، وأراد هو أن يتأسى بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ليتفقد أحوال رعيته بالليل، فلبس ملابس رثة، وأخذ يتجول بالأزقة، وشاهده أحد (العسة) - وهو شرطي يلبس ملابس مدنية - واعتقد أنه لص، فقبض عليه، فقال له: إنك غلطان، أنا (فلان بن فلان). فما كان من العسة إلا أن يمتشق (خيزرانته) ويلهب ظهر ذلك المسؤول قائلا: حرامي وكمان تقول إنك (فلان)!! - انتهى.

صحيح أن الذي لا يعرف الصقر يشوي ظهره بالخيزرانة.

[email protected]