مفاتيح الإصلاح العربي

TT

إنني من ضحايا الربيع العربي. لقد قضى على آخر نقطة في نفسي من الأمل في الإصلاح العربي. كنت مدعوا لمؤتمر الإصلاح العربي في الإسكندرية قبل سنوات. حضرت المؤتمر مرتين ووجدته مضيعة وقت. لم أساهم بكلمة واحدة في مداولاته. ونعرف الآن ما الذي تمخض عنه من إصلاحات. توصلت لهذه الحقيقة، وهي أننا عاجزون عن إصلاح أحوالنا في جيلنا هذا. هناك عشرات العوامل التي تحول دون ذلك. كل هؤلاء الفقهاء وعلماء الدين والمفتين المتشددين يقفون في وجه أي تغيير وبيدهم أمضى الأسلحة. لا تنطق بكلمة إلا وكمموك بأثر من التراث.

الحقيقة الأخرى هي أن أبواب إصلاح مجتمعاتنا مفاتيحها في الغرب. يعني ذلك أن علينا أن نركز على ما يفعلونه هناك وليس على ما نفعله نحن. فكل هذه المنظمات الساهرة على الإصلاح وحقوق الإنسان منظمات غربية ومقراتها في سويسرا وبريطانيا والسويد وأميركا وغيرها مثل منظمة الصليب الأحمر والعفو الدولية والشفافية الدولية ولجنة حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية، وطبعا منظمة الأمم المتحدة بكل فروعها ولجانها، أضف لكل ذلك منظمات نشر الديمقراطية وقنوات الإعلام الغربي. كلها في الغرب، ويجري تطويرها وتوسيعها من يوم إلى يوم. من الذي أجج نيران الربيع العربي غير وسائل الإعلام الغربية، وعلى رأسها صحيفة «الغارديان» البريطانية.

علينا أن نحتج ونقيم الدنيا ونقعدها عندما نسمع أن الشرطة البريطانية اعتدت على أحد المعتقلين بدلا من إضاعة وقتنا بالكلام عما يجري للمعتقلين في العراق. فهذه أمور معتادة عندنا ولا أحد يعبأ بكلامنا أو احتجاجنا. الحفاظ على المستويات الحضارية والإنسانية في الغرب، هو ما ينبغي أن يعنينا. فهي المقاس والأداة.

أصدرنا شتى القوانين والتعليمات لمكافحة الفساد، ولكن منظمة الشفافية الدولية ما زالت تضعنا في أسفل القائمة. كانت هذه القوانين مضيعة وقت. لا الشعب، ولا الحكومة تلتفت إليها وتحترمها. الشيء العملي هو الضغط على الحكومات والبنوك والمؤسسات المالية في الغرب بحيث تحاسب من يودع الملايين فيها وتسأله: من أين لك هذا؟ ثم تفتح دفاترها لكل من يهمه الاطلاع على حساباتها. من جاء اسمه فيها وكم ومتى ومن أين؟

البنوك السويسرية ملزمة بتزويد السلطات الأميركية والمحاكم الأوروبية بهذه المعلومات. لماذا لا تتبع نفس القاعدة مع دول العالم الثالث؟ هذا ما ينبغي أن نناضل من أجله.

تصرح الدول الغربية علنا بأنها ترحب بلجوء العلماء والأطباء والفنيين من العالم الثالث وتستبعد ضعاف الحال والمرضى والمساكين والأميين. هذه قاعدة ينبغي قلبها. فدول العالم الثالث أولى بعلمائها وأطبائها وكل من أنفقت على إعداده ألوف الدولارات. ما يقوم به الغربيون الآن هو عملية خطف علني تتضمن نهب ملايين الدولارات من الشعوب الفقيرة. أصبح نزوح النخبة المتعلمة والواعية إلى الغرب من أهم أسباب حصولنا على هذه الأنظمة الديمقراطية التعبانة والفاشلة. لقد أصبح مصيرنا متوقفا، لا على المتعلمين والواعين، وإنما على أصوات الجهلاء والأميين الذين تسد أوروبا أبوابها في وجوههم.

وهذا ما أقوله. دعونا من فكرة إصلاح أوضاعنا. علينا أن نفكر في إصلاح أنظمة المجتمع الغربي. إنهم أطوع منا على الإصلاح وأشوق للتغيير والتطوير وسماع صوت العقل والإنسانية والشرعية.