التونسيون والحكومة المنتظرة!

TT

من الأشياء الأغرب من الخيال في تونس ما بعد الثورة، أن النخبة السياسية الحاكمة حاليا منذ تاريخ يوليو (تموز) 2012 وهي تتحدث عن نية القيام بتحوير وزاري. شهور بالتمام والكمال والتونسيون ينتظرون المعجزة أو الحكومة المنتظرة من دون أن يحدث أي شيء يذكر باستثناء تسريبات عن خلافات سياسية بين أطراف الترويكا الحاكمة حول الحقائب الوزارية وأيضا تعنت حركة النهضة في التفريط في حقائب الداخلية والعدل والخارجية.

والأغرب من هذا البطء المزعج جدا أنه حتى بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد وما نتج عنه من قرار رئيس الحكومة حمادي الجبالي تشكيل حكومة كفاءات وطنية لا علاقة لها بالأحزاب في ظرف حدده شخصيا بأربع وعشرين ساعة، فإنه على أثر كل هذا وحماسة لحظة الاغتيال اتضح أن مدة اليوم في التقدير الزمني الخاص بالنخبة السياسية الحاكمة تصل إلى الأسابيع، حيث إننا على وشك الدخول في الأسبوع الثالث!

ومثل هذا السلوك السياسي للترويكا الحاكمة، يعكس في الواقع ضعفا في ممارسة الحكم وفهم ميكانيزماته، وخصوصا كيفية أخذ القرار وتوقيته.

كما أن الواضح جدا للتونسيين اليوم أن الهاجس الوطني وظروف البلاد الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، هي من آخر اهتمامات الأحزاب الحاكمة. وبدل الإسراع في الالتفاف حول مبادرة حمادي الجبالي لإنقاذ البلاد من المجهول أمنيا واقتصاديا، فإننا نلاحظ عدم المبالاة بعامل الوقت ومحدودية في استيعاب مؤشرات خطيرة مثل تفاقم المديونية والتضخم المالي وتدهور القدرة الشرائية واستفحال العنف السياسي، وغير ذلك من المآزق والأزمات المتتالية والمتفاقمة. وفي مقابل ذلك وعوضا عن التفكير في الحلول العاجلة وتسليم الوزارات إلى كفاءات، يتم إهدار الجهد والوقت وإمكانات الدولة التونسية في التجاذبات والمحاصصة السياسية بطريقة تحبط التونسي وتذكره أن مرض حب السلطة ما زال متجذرا في العقلية السياسية للنخب. وفي بعض الأحيان نستشعر استبطانا لصورة الرئيس الأسبق بن علي، وهو ما يعني أن الموصوف بالمخلوع لم يتم خلعه من مستوى التمثلات السياسية لكثير من رجال النخبة الحاكمة.

من جهة ثانية، تشكك حالة العجز في تجسيد مبادرة السيد حمادي الجبالي التي تضمن على الأقل الحياد الحزبي، في كفاءة النخبة السياسية الحاكمة حاليا، باعتبار أنه كيف يمكن لنخبة بصرف النظر عن الخلافات الداخلية، أثبتت عجزا حقيقيا في تغيير وزاري، أن تحل مشاكل مستعصية مثل البطالة والفقر والتنمية ونقائص البنية التحتية؟

بل إن الأنكى من كل هذا، افتقاد هذه النخبة إلى الحد الأدنى من الثقافة السيكو - سوسيولوجية التي تخولها بإدراك انعكاسات الإعلان عن تحوير وزاري أو حكومة كفاءات، وما يعنيه ذلك التباطؤ من تنام لحالات القلق والغموض الاجتماعيين والتأثير النفسي والاجتماعي والاقتصادي على المواطنين التونسيين.

لقد برهنت النخبة السياسية الحاكمة على اغترابها عن المجتمع التونسي، إضافة إلى الضعف في استيعاب الدروس، وآخرها درس اغتيال شكري بلعيد، حيث إنه بدلا من احترام الشعب التونسي الذي أبدى توحدا ومدنية ومسؤولية، فإن الرد كان مسيرة تعبوية بإمضاء حركة النهضة، صادمة في شعاراتها المرفوعة التي تغذي اللاوحدة والإقصاء وتعكس عنادا لا عقلانية سياسية.

إلى الآن، الشعب التونسي أثبت أنه يتجاوز نخبته السياسية وأنها تشبه ذواتها المنكسرة أكثر بكثير مما تشبهه.

أما الكثير ممن يحكمون تونس اليوم، فقد أثبتوا عن جدارة أنهم لا يعيرون أي اهتمام يذكر لمشاكل التونسيين ولا للذين استشهدوا أو أولئك الذين فقدوا عضوا غاليا من جسدهم يئن بقوة كلما شاهدوا هذه النخبة في البرامج الحوارية تتشاجر وتتنابذ كأشهى ما تكون الديمقراطية والنخب!